الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في إمامة الحسنين بعد أبيهما $

صفحة 263 - الجزء 2

  وذكروا أن أهل الشام لما أحاطوا بالمدينة من كل ناحية لم يجدوا مدخلاً، والناس يتلبسون بالسلاح قد قاموا على أفواه الخنادق، وقد حرصوا أن لا يتكلم منهم متكلم، وجعل أهل الشام يطوفون بها والناس يرضونهم بالحجارة والنبل من فوق الآكام والبيوت حتى جرحوا فيهم وفي خيلهم، فقال مسلم لمروان: أين ما قلت لي؟ فخرج مروان حتى جاء بني حارثة فكلم رجلا منهم ورغبه في الضيعة، وقال: افتح لنا طريقاً فأنا أكتب بذلك إلى أمير المؤمنين، ومتضمن لك عنه شطر ما كان بذل لأهل المدينة من العطاء وتضعيفه، ففتح لهم طريقاً ورغب فيما بذل له، فاقتحمت الخيل ودخلوا المدينة، فاقتتلوا فيها قتالاً شديداً حتى عاينوا الموت، ثم تفرقوا وغلب أهل الشام أهل المدينة حيث جاؤوهم بما لا قبل لهم به، وجعل مسلم يقول: من جاء برأسٍ فله كذا وكذا، وجعل يغري قوماً لا دين لهم، فلما استشهد عبد الله بن حنظلة صار أهل المدينة كالغنم بلا راع شرود يقتلونهم أهل الشام من كل وجه، وكان بنو حارثة آمنون لم يقتل منهم أحد لمكان الذي فتح الطريق منهم، فجعل قصرهم أماناً لمن أراد أهل الشام أن يؤمنوه، وأبيحت المدينة وانتهبت ثلاثة أيام، فدخلوا دار محمد بن مسلمة الأنصاري عشرة من أهل الشام فصاح النساء، فأقبل ابن محمد بن مسلمة إلى الصوت فوجدهم ينهبون، ومعه رجلان، فقاتلوهم حتى قتلوا العشرة الشاميين وخلفوا ما أخذوه عليهم، فألقوه في بئر لا ماء فيها، وألقي عليها التراب، ثم أقبل نفر من أهل الشام فقاتلوهم حتى قتل زيد بن محمد أربعة عشر رجلاً، وقيل لعبد الله بن زيد بن عاصم صاحب أذان رسول الله ÷: فلو أعلنْت القوم باسمك لم يقصدوك، فقال: والله لا أقبل لهم أماناً، فخرج والخيل تسرع في كل وجه قتلاً ونهباً، فقاتل وقال: لا أبرح حتى أقتل، لا أفلح من ندم، فضربه رجل بفأس بيده، قال الراوي: فرأيت نوراً صادعاً، وسقط ¦ ميتاً، وكان يومه ذلك صائماً، ولزم أبو سعيد الخدري ¥ بيته، فدخل عليه نفر من أهل