الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة: ما حكم الأمة والرعية في دولة الظلمة وسلاطين الجور؟]

صفحة 328 - الجزء 2

  الفقهاء، وأحمد بن عيسى #، وأحد قولي المؤيد بالله قديماً، وروي عن الهادي #. واحتجوا على ذلك بأن كثيراً من الفضلاء تولوا القضاء من جهة بني أمية وبني العباس ولم ينكر عليهم، فكان إجماعاً. واحتج الأولون بقوله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ}⁣[هود ١١٣]، قال أبو علي وأبو هاشم: والتولي من جهتهم فسق.

  قلت - وبالله التوفيق -: الاحتجاج بالآية محتمل، ويحتمل أن المراد بالركون إليهم الميل إليهم بالمحبة والمعاونة على ظلمهم، فلا دلالة فيها على ما نحن بصدده؛ لأن ذلك من باب فعل الخير، وقد قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}⁣[الأنبياء ٩٤]، {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ}⁣[آل عمران ١١٥].

  ولابد مع ذلك من اشتراط عدم مقارنة مفسدة: من خذلان الإمام إن كان، واغترار العامة بمن تولى ذلك أن فيه صحة ولايتهم، وإذا كان في الزمان إمام وجب أخذ الإذن منه مع الإمكان، فإن لم فيفعل ذلك من انتصب له من باب الصلاحية، ولا يعتد بالتولية من جهتهم، وإنما تكون له عوناً وعضداً على تنفيذ ما انتصب له، وقد روي عن بعض العلماء أنه سئل عما هذه شأنه فقال: «إذا لم يتولَّ هذه الأمور خياركم تولاها شراركم»، وعليه يحمل ما وقع من الصحابة من التولي من الظلمة، فلا دلالة فيه على الجواز مطلقاً. وأما تنفيذ الأحكام الواقعة ممن أخذ الولاية فيها منهم فإن أخذها على الوجه المذكور صح الاعتماد عليه، وعليه يحمل قول الهادي #: «إنه لا ينقض من أحكامهم ما وافق الحق» وإن لا فلا، فإن التبس غلب الأحوط بحسب الحال، فإن كان قد أجري الحكم ثم وقع الترافع إلى الحاكم الموجود المولى من الإمام لينقض ما سبق من الحكم والإجراء فالأحوط عدم المساعدة إلى ذلك، وإن لم يكن قد أجري فالأحوط الإعادة، ويؤسس الحكم على قواعده بنظر جديد، والله أعلم.