الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

تتمة لمسائل الإمامة تشتمل على مسائل:

صفحة 330 - الجزء 2

  مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ٢٥ بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ٢٦}⁣[الصافات]، يعني كما استسلموا للظالم في الدنيا وانقادوا له عوقبوا بمثل ذلك، من باب {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}⁣[الشورى ٤٠] مشاكلة، فإن كان معهم إمام وجب عليه وعليهم مدافعة الظالم عن حوزتهم وتناول ديارهم، فإن لم يكن ولا أمكن نصب محتسب يكون به دفع الظالم وحفظ الديار وجبت عليهم الهجرة إلى محل خلي عن مثل ما يظهر من الفساد فيما استولى عليه الظالم؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا}⁣[النساء ٩٧]، وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}⁣[النساء ١٤٠]، وقال ÷: «لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل»، رواه في الأساس.

  ثم لا يجوز الوقوف إلا لمن له عذر شرعي، كأن يرى في بقائه مصلحة لتعليم العلوم والفتوى وإرشاد الخلق، أو لم يكن إمام ورأى من نفسه ذلك، أو يخشى مع خروجه ضياع واجب أهم: من تعطيل أوقاف ووصايا وأموال يتامى بنظره، أو انقطعت ولايتها ولا يقوم بها غيره، أو خشية ضياع عائلته ومن تلزمه مؤنتهم إن خرج بهم أو تركهم، فإن لم يخش عليهم ذلك وجبت عليه الهجرة بأهله إن أمكن، أو بدونهم إن لم يضيعوا، وإلا سقطت عنه مع انعزاله عن مواقف الظلمة إلا لمصلحة راجحة، بحيث لو لم يحضر لكثر الفساد وتركت الواجبات أو بعضها، فإن لم يكن في حضوره مصلحة ولا ظن تأثيراً وجب الانعزال عنهم ومباينتهم، ويدل على جميع هذه الأطراف والصور قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ}⁣[التغابن ١٦]، وقوله ÷: «إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».