[فصل:] في الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخوف
  وقد حكى في القلائد خلافاً لأبي القاسم البلخي فقال: بل الأمر بالمندوب واجب أيضاً؛ إذ هو معروف، وقال القرشي في المنهاج: كان المتقدمون من شيوخنا يطلقون القول بوجوب ذلك إطلاقاً حتى جاء الآخرون ففصلوا، فجلعوا الأمر بالواجب واجباً، والأمر بالمندوب مندوباً، قالوا: لأنه لا يزيد حال الأمر على حال المأمور به، فلعل ما ذكره # من الإجماع محمول على انقراض خلاف أبي القاسم، والله أعلم. (فلم يبق إلا القضاء بالأمر بالمعروف الواجب مع الإمكان) واجتماع الشرائط التي ذكرت شرطاً في وجوب ذلك كما سيأتي تفصيلها (وإلا) أي: وإن لم نقل بوجوب الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر (بطلت فائدة الآية) ودلالتها على ذلك، (ومعلوم خلاف ذلك)؛ لأن إبطال دلالة الأدلة وتعطيل فائدتها لا يجوز لغير ناسخ ولا مانع؛ لأنه إهمال لكلام الحكيم وهو لا يجوز.
  (وإنما قلنا: يجب النهي عن كل منكر) على سبيل الإطلاق من دون تقييد كما في الأمر بالمعروف - لأن المعروف انقسم بين واجب ومندوب، بخلاف المنكر فلا ينقسم؛ إذ ليس المكروه قسماً منه، بل قسم برأسه أو قسم من المباح، بأن يكون المباح قسمين: ما يستوي فيه الفعل والترك، وما يرجح فيه الترك على الفعل، فقلنا: يجب النهي عن كل منكر (لإجماع المسلمين على ذلك) أي: على وجوب النهي عن المنكر، وهذا يدل على ما قدمناه من حمل الإجماع على النهي عن المنكر دون الأمر بالمعروف، فيحمل خلاف الحشوية في الوجوب على الأمر بالمعروف، أو على أن خلافهم في النهي عن المنكر أنه لا يجب بالفعل بل بالقول فقط، (ولأن المنكرات كلها قبائح، فيجب النهي عن جميعها مع الإمكان)، وقوله: (كما يلزم الأمر بالمعروف الواجب مع الإمكان) زيادة في الإيضاح، وليس المراد به الاحتجاج بالقياس؛ لأن النهي عن المنكر أشد وآكد في الوجوب؛ لما فيه من وجوب الدفع عن فعل القبيح للآحاد ولو بالقتال، بخلاف