[فصل:] في الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخوف
  ظن أو علم أنه لا أثر لهما، فإنه يحسن تقديمهما بكل حال، لكن إذا علم أو ظن أنهما كافيان وجب الاقتصار عليهما، وإلا حسن تقديمهما كما في الآية الكريمة.
  المرتبة الثانية: حيث علم أو ظن أن الرفق والقول اللين لا يؤثران فقد قلنا: يحسن تقديمهما، لكن إذا لم يفعل ذلك أو فعل ولم يؤثر وجب الانتقال إلى القول الشديد والزجر بالتهديد والوعيد إن لم يمتثل أو ينزجر.
  المرتبة الثالثة: إذا لم يؤثر الإغلاظ والشدة بالقول والتهديد، فلا يخلو: إما أن يكون من باب الأمر بالمعروف فلا يجوز مجاوزة ذلك إلى الضرب بسوط أو ما فوقه إلا لذي الولاية كالإمام والولاة من طرفه، وفي المحتسب خلاف، وكولي الصبي والمرأة والعبد في إجبارهم على الصلاة ونحوها من الواجبات، وأما الآحاد فلا يجوز لهم الضرب ونحوه على فعل الواجبات، قال في الأساس: لعدم الدليل عليه.
  قلت: ولأن في فعل المعروف للمأمور به جلب نفع، وضربه عليه إضرار به، والإضرار بالغير لا يجوز وإن فاته النفع.
  وإما أن يكون من باب النهي عن المنكر، فإما أن يكون من المحرمات القطعية، كأن يرى إنسان مسلماً يتناول الخمر ليشربها، أو يأخذ امرأة أو نحوها ليفجر بها، أو يحاول قتل نفس محرمة، أو نحو ذلك وجبت المدافعة عن هذا المنكر ولو بالسيف ولو إلى حد القتل. وإن لم يكن مما علم تحريمه قطعاً، بل هو من المحرمات النظرية، كبعض صور الربا، وتلقي الجلوبات، وبيع حاضر لباد لم تجز الزيادة على القول والوعظ والتذكير؛ لما فيه من ارتكاب الإضرار بالغير لمجرد الظن بكونه منكراً، فلا تجوز إلا لذوي الولاية العامة أو الخاصة كولي الصبي والمرأة والعبد، والله أعلم.
  فأما المختلف فيه على من هو مذهبه فلا يجوز الإنكار بحال إلا على سبيل المذاكرة والمباحثة في المسألة لقصد معرفة وجه الحق فيها، وطلباً للاتفاق وارتفاع الخلاف وحصول الائتلاف.