[الطاعة]
  ويمكن أن يقال: إن قوله تعالى: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}[الفرقان ٧٠] يدل على خلافه.
  ويمكن الجواب: عن الاحتجاج بالآية أن ظاهرها متروك عقلاً؛ إذ لا يمكن جعل الزنا ونحوه طاعة، فالمراد تبديل عقاب المعصية بثواب التوبة والعمل الصالح الواقعين بعد فعل المعصية، والله أعلم.
  والمعصية تقتضي العقاب بنفسها. والعلمُ بتحريمها وعدمُ الإكراه والاضطرار إلى فعلها شرطٌ في الاستحقاق. والتوبة مسقطة للاستحقاق والاقتضاء، فيكون عدم التوبة شرطاً في وقوع العقاب الأخروي، وأما الدنيوي كالحدود والقصاص فلا، إلا في المحارِب؛ لقوله تعالى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة ٣٤]، قال الهادي #: يسقط عنه بالتوبة الحدود وما أتلف من المال ولو قتلاً، وهو تقرير المذهب الشريف. وقال زيد بن علي والناصر والمؤيد بالله $: لا تسقط عنه إلا الحدود؛ لما روي عن أمير المؤمنين # أنه قال: فإن تابوا قبل أن يؤخذوا ضمنوا الأموال، واقتص منهم، ولم يحدوا.
  قلت: ظاهر الآية مع الهادي #، وقول أمير المؤمنين # عندنا حجة، فإن صح كان تخصيصاً للآية، وهو الأولى والأنسب؛ لئلا تنهب الأموال وتسفك الدماء وتتخذ التوبة حيلة لإهدار ذلك، والله أعلم.
  وما ذكرناه من كون الطاعة والمعصية يقتضيان الثواب والعقاب بنفسهما هو معنى قول أئمتنا $: إن الوعد والوعيد مستحقان عقلاً وسمعاً، بمعنى أن العقل يقضي بالاستحقاق ويوجبه، أي: يثبته والسمع ورد بذلك، ولا خلاف في ورود السمع بذلك، وإنما خالفت المجبرة على ما حكاه عنهم في الأساس في استحقاق ذلك عقلاً؛ بناءً على أصلهم في خلق الأفعال، وإنكار التحسين والتقبيح العقليين.