الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[في استحقاق الثواب والعقاب على الطاعة أو المعصية عقيب فعلها]

صفحة 344 - الجزء 2

  قلت: وكذا في المآل فإنه لا يصل إليه شيء منهما حيث علم الله من حاله أنه لا يوافى بهما، حيث أحبط طاعته بالمعاصي أو الندم على فعلها وقطعها، أو حيث تاب عن المعصية، ولا إشكال فيه، لكن كلامنا في الاستحقاق العقلي من عقيب فعل الطاعة أو المعصية مع قطع النظر إلى ما سيعقبهما من إحباط أو توبة، وهو محط الخلاف بيننا وبينهم⁣(⁣١)، فعندنا: يستحقان، والموافاة شرط في إيصالهما، وعندهم: لا يستحقان إلا بعد الموافاة، كما ذكر.

  قلنا: لو كان كما ذكروا لما صح لأحد ذم أحد ولا مدحه حتى يعلم الموافاة، والإجماع منعقد على صحتهما عقيب الفعل، والذم والعقاب، والمدح والثواب متلازمان في الاستحقاق وإن اختلفا في الوقوع. وأيضاً يلزم العبث في الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية لما علم من حاله عدم الموافاة، وليس يلزمنا ذلك، لأن اكتساب الاستحقاق ووجود الطاعة والانتهاء عن المعصية جهة كافية في حسن الأمر والنهي، وليقع بهما الموازنة له أو عليه عند أهل الموازنة، وليعود ثواب ما أحبط من أجر الطاعة إن تاب عن المعصية عند من يقول بذلك. وأيضاً فإن الحد مستحق عقيب الفعل وهو عقوبة، ولا تعتبر فيه موافاة ولا عدمها، هكذا احتج عليهم في القلائد.

  ولهم أن يقولوا: الحد شرع للزجر وهو أمر شرعي، وكلامنا في الاستحقاق العقلي.

  ويمكن الجواب عنه: أنه وإن كان الحد شُرِعَ للزجر فذلك لا ينافي كون استحقاق العقاب أمر عقلي من عقيب فعل المعصية، بل يزيده تأكيداً، بأن يقال: لولا أن ذلك مستحق عقلاً من عقيب فعل المعصية لما ورد الشرع به في الدنيا ولكان ينتظر به الموافاة، ويكفي في الزجر الإخبار بوقوعه في الآخرة مع ما يكون


(١) أي: أهل الموافاة.