[مسألة: أجمع المسلمون على دوام ثواب المؤمنين وعقاب الكافرين]
  كمراضاة مشتري السلعة التي لا تساوي إلا درهماً أو ديناراً بألف ألف درهم أو ألف ألف دينار أو أكثر، ثم قال مالكها: لا يقدم إلى أخذها إلا من رضيها لنفسه بهذا الثمن، ومن أخذها من دون رضا بهذا الثمن فليعلم هو ومن أخذها راضيا به أني لا أحط عن أحد منهما درهماً ولا ديناراً، فإن الآخذ لتلك السلعة بعد علمه بصدق هذا الخبر قد أُتي من جهة نفسه ولم يكن له ظالماً سواها، ثم إذا كان البائع حكيماً بأن ما قصد في تلك الزيادة والمغالاة في الثمن إلا لينصرفوا عن شرائها لما فيها من المضرة عليهم بأن كان فيها سم أو نحوه كان محسناً إليهم بمغالاة الثمن وإرسال المخبِر المؤتمن.
  وحينئذ يندفع السؤال، وينكشف عنه نقاب الإشكال، ولم يبق لمجبر ولا غيره في ذلك أي مقال، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى معنى هذا الكلام في كثير من الآيات الكريمة، قال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء ١٦٥]، وقال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ}[الزخرف ٧٦]، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ}[هود ١٠١]، {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[الأحقاف ٣٤]، {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ٨ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ}[الملك ٨ - ٩]، {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِين ٧١ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا}[الزمر ٧١ - ٧٢]، وغير ذلك من الآيات.
  وأظهر من هذه الآيات في الدلالة على أن الله سبحانه وتعالى قد أزاح العلة، واستحق من عصاه العقاب على سبيل الدوام قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ