الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الكبائر والمعاصي ومعرفة حديهما]

صفحة 360 - الجزء 2

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

[الكبائر والمعاصي ومعرفة حديهما]:

  وينبغي أولاً تقديم الكلام في قسمة المعاصي إلى صغائر وكبائر، ومعرفة حديهما، والخلاف في ذلك، قال في الأساس: قال أئمتنا $ والجمهور: والمعاصي صغائر وكبائر، وقالت الخوارج والإسفرائيني من المجبرة وموافقوه: بل كبائر فقط، أمَّا الخوارج فلأن كل معصية عند بعضهم تُوجب الكفرَ، وعند بعضهم كل ما ورد فيه وعيد أَوجبَ الكفر، وعند بعضهم كل ما ثبت في العقل تحريمه ففعله كفر، ولا صغيرة عندهم جميعاً، وأما الإسفرائيني فهذه رواية صاحب الفصول عنه كما ذكره شارح الأساس، قال: ولعله يقول: إنها كبائر وإن جوز العفو عنها أو عن بعضها، والله أعلم.

  لنا: قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا}⁣[النساء ٣١]، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاّ اللَّمَمَ}⁣[النجم ٣٢]، والمراد باللمم: الصغائر، وقوله تعالى: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا}⁣[الكهف ٤٩]، وغير ذلك.

  فإن قيل: الصغائر لا يعاقب عليها، فالمراد حينئذ ما اعتقدوه صغيراً وهو في نفس الأمر كبير.

  قلنا: تأويل خلاف الظاهر بلا دليل، وهو لا يجوز، بل قام الدليل على بطلانه؛ لأنه تعالى قسم المعاصي إلى كبائر وصغائر فقال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}، فأفهم أن ثمَّ صغائر وسماها سيئات، وجعل جزاء الشرط تكفيرها في مقابل اجتناب تلك الكبائر، فلو كانت السيئات المرادة بالتكفير كبائر لناقض الكلام، ولصار التقدير: إن تجتنبوا الكبائر نكفر عنكم الكبائر، وهذا كلام متهافت لا يجوز تأويل كلام الحكيم سبحانه إلى ما يؤدي إليه، وإنما اغتفرت الصغائر في حق المؤمن تكرماً منه تعالى وتفضلاً؛ لما أنه أي: المؤمن اجتنب الكبائر، فعلم أنها أي: الصغائر