الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الكبائر والمعاصي ومعرفة حديهما]

صفحة 361 - الجزء 2

  غير مغتفرة في حق الكافر والفاسق؛ لعدم حصول المقتضي لإسقاطها وغفران عقابها، وهو اجتناب الكبائر، وهذا واضح.

  نعم، قد مرت الإشارة في مقدمة الباب إلى أن الصغائر الواقعة من المؤمن يسقط من ثواب طاعات فاعلها بقدرها، أو من أعواض آلامه وامتحاناته، فلا ينافي ذلك قولنا هاهنا: إنها مغتفرة في اجتناب الكبائر؛ لأن المراد هاهنا أنه لا يناله منها عذاب حقيقي من إضرار بنار أو ضرب بمقامع أو إفزاع مهيل، دون إسقاط شيء من ثوابه وأعواضه فلا ضير فيه، إلا أنه ينبغي بل يجب توقي تلك الصغائر لئلا يحبط شيء من ثوابه وأعواضه، وهذا نظر إلى الاستحقاق العقلي كما مر؛ لئلا يلزم التسوية بين من أفرط من ارتكابها ومن اقترف اليسير منها ومن لم يقترفها أصلاً، فأما بالنظر إلى ظواهر الآيتين المذكورتين فظاهرهما إسقاط عقاب الصغائر عن المؤمن رأساً، وفضل الله واسع، غير أن التأويل على ما يوافق الدلالة العقلية هو الأولى، والله أعلم.

  ويمكن أن يقال في ذلك: إن من لم يقترف الصغائر رأساً، أو لم يقترف منها إلا اليسير يزاد في ثوابهما وأعواضهما زيادة لا ينالها من أفرط في ارتكابها، ولا يحبط شيء من ثواب وأعواض مرتكبها فلا تلزم التسوية، وهذا أحسن الاحتمالات؛ لسلامته عن التأويل، وبقاء الآيتين معه على ظاهرهما، والله أعلم.

  واختلف في حد الكبيرة، فروى في الأساس عن الناصرية، قال: وهو ظاهر كلام الهادي #، وصريح قول ولده المرتضى # في كتاب الإيضاح، وقول القاسم بن علي العياني في كتاب التنبيه والدلائل، وهو قول البغدادية: أن كل عمد كبيرة، والصغيرة ما صدر عن سهو أو إكراه أو تأويل أو نحو ذلك، كما يصدر ممن لم يعلم التحريم فيما يدخله الخفاء، دون ما يعلم تحريمه عند الفاعل، أو يمكنه العلم فترك النظر إيثاراً للهوى وميلاً إلى اللذات واتباع الشهوات. وقال بعض أئمتنا $ والبصرية: بل الكبيرة ما يوجب فيها حد أو وصفت