الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 363 - الجزء 2

  المعنى بعدم وجود طاعات تزيد ثواباتها على عقاب تلك المعصية، فلا تكون الدلالة قطعية في حق من له طاعات كثيرة وصدرت منه تلك المعصية على جهة الندرة؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيئات}⁣[هود ١١٤]، والله أعلم.

  ثم اعلم أنه قد وقع الاتفاق على كبر بعض المعاصي، فيقطع بكبرها وهلاك مرتكبها مع الإصرار عليها، وهي: الشرك بالله تعالى، والزنا، وقتل النفس المحرمة، وشرب الخمر، وأكل الربا، وقذف المحصنات، والإلحاد في الحرم، والسرقة، وعقوق الوالدين المسلمين. وزاد الجمهور الخروج على الإمام. وبعضهم البغي على المحق مطلقاً. وزاد بعضهم النميمة؛ لقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الآية [الحجرات ٦].

  إذا عرفت أهل الكبائر فالكلام يتعلق بهم في مسألتين من مسائل الاعتقاد، ذكرهما # في هذا الفصل لكونهما من أصول الدين الواجب معرفتها على كل مكلف، مع أن كثيراً من المكلفين لم يعلموا ذلك كالعوام وكثير من النساء والعبيد ونحوهم ممن أغفل النظر في ذلك، فالأظهر أن وجوب ذلك على العلماء ومن اطلع على فعل الكبيرة ممن عداهم؛ لما يتعلق بذلك من الموالاة والمعاداة والمعاملات الآتي تفصيلها في فصل الفاسق، والله أعلم.

  ويمكن أن يقال: إن وجه وجوب معرفة ذلك لما فيه من الالتطاف الداعي لمن عرف هاتين المسألتين إلى ترك الكبائر، لكنه معترض بأنه ليس كل لطف يجب تحصيله أو معرفته، بل القصد اجتناب المعاصي سواء عرف ما هو لطف فيه أو لم يعرف مهما لم يقترفها، وليس الالتطاف مقصوراً على معرفة حكم صاحب الكبيرة وما إليه مآله، بل هو مبني على العلم بكون الفعل معصية، وإن كان في العلم بذلك زيادة في الالتطاف فالزيادة لا تجب معرفة ما تحصل به إلا إذا لم يحصل الاجتناب من دون معرفته، والله أعلم.