[المنزلة بين المنزلتين]
  وقد اختلف في صاحب الكبيرة، فقالت العترة $ وأتباعهم الزيدية والمعتزلة: إنه يسمى فاسقاً، ولا يسمى مؤمناً ولا كافراً ولا منافقاً.
  وقالت الأشعرية وغيرهم من المرجئة: بل يسمى فاسقاً لفعله الفسق، وهو الكبيرة، ويسمى مؤمناً لفعله الإيمان، وهو التصديق بالله ورسوله ÷ وما جاء به ÷.
  وقالت الخوارج: إنه يسمى كافراً؛ بناء على أصلهم أن العصيان كفر.
  وقال الحسن البصري: إنه يسمى منافقاً.
  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه المخالفون من أن أهل الكبائر يسمون فُسَّاقاً، (و) ما في معنى ذلك قولنا: و (مجرمين، وطغاة، وظالمين) هو ما أشار إليه # بقوله: (لإجماع المسلمين على تسميتهم بذلك)؛ لأن ما قلناه موافق وآخذ بأقوال الجميع؛ لأن الأشعرية والمرجئة قد وافقونا على تسمية صاحب الكبيرة بأنه فاسق، وزادوا على ذلك بدعوى تسميته مؤمناً؛ لأن الإيمان عندهم مجرد التصديق، فهو عندهم فاسق لفعله الفسق، مؤمن لفعله الإيمان، والخوارج يقولون: هو فاسق وزيادة، فزادوا على تسميته فاسقاً أنه يسمى مع ذلك كافراً، وكذلك الحسن البصري في إطلاقه عليه أنه منافق؛ لأن إطلاق الاسم الأعلى يستلزم إطلاق الاسم الأدنى، ونحن قلنا: ليس إلا فاسقاً، فأخذنا بمجموع كلام الجميع، فصار قولنا إجماعاً، وقول المخالفين مبني على دعوى لم يقم عليها دليل، بل قام الدليل على بطلان كل واحد من أقوال المخالفين كما سيأتي في فصل التفسيق إن شاء الله تعالى، وإلى هذا أشار الصاحب بن عباد ¦ بقوله:
  وقاتلُ النفسِ لدينا فاسقٌ ... لا مؤمنٌ حقاً ولا منافقُ
  والكلُّ في تفسيقه موافق ... قولي إجماعٌ وخصمي خارقُ