الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 366 - الجزء 2

  وقوله: (ولا أُسميهم كفاراً على الإطلاق) أراد به الرد على الخوارج في تسميتهم صاحب الكبيرة كافراً، والإشارة إلى قول الناصر # وغيره من قدماء أئمتنا $ إنه يسمى كافر نعمة، وسيأتي تقوية هذا للمؤلف #. وقد دخل الرد على الحسن البصري ضمناً؛ لأن كل منافق كافر. وقوله: (ولا مؤمنين) أراد به الرد على الأشعرية وعلى سائر المرجئة، ثم أشار إلى دليل بطلان أقوال جميع المخالفين لنا في هذه المسألة بقوله: (لفقد الدلالة على ذلك) وكل ما لا دليل عليه فهو باطل.

  وتقرير هذا الدليل أن يقال: إن هذه الأسماء وإن كانت في أصل اللغة موضوعة لمعان معروفة فقد صارت في الشرع أسماء وحقائق دينية لمن ارتكب معاصٍ مخصوصة:

  فالكفر في الأصل بمعنى: التغطية، ومنه سمي الزَّرَّاع كافراً لتغطيته البذر بالتراب، قال الله تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}⁣[الحديد ٢٠]، وقال الشاعر: في ليلة كفر النجومَ ظلامُها ثم صار في الشرع اسماً لمن ارتكب معصية مخرجة لصاحبها من الملة، ولا دلالة على أن الزاني وشارب الخمر ونحوهما قد خرجا من الملة.

  والنفاق: مأخوذ من النافقاء، وهو أحد جحري اليربوع، يفعل لوكره بابين أحدهما ظاهر ويسمى القاصعاء، والآخر خاف ويسمى النافقاء، فإذا أتاه الصياد أو نحوه من القاصعاء الذي هو ظاهر خرج من النافقاء، فشبه حال المنافق بذلك، يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فصار النفاق حقيقة دينية فيمن أظهر الإسلام وأبطن الكفر، ولا دلالة تدل على أن الزاني وشارب الخمر ونحوهما يبطنان الكفر.

  والإيمان في أصل اللغة: التصديق، ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا}⁣[يوسف ١٧]، أي: مصدق لنا، وقد صار في الشرع اسماً لمن أتى بالواجبات واجتنب المقبحات؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ