الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[عدم الدليل لا يدل على عدم المدلول]

صفحة 367 - الجزء 2

  قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٢ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ٤}⁣[الأنفال]، فعلمنا أنه قد نقل عن مطلق التصديق إلى من صدق بالله ورسوله وما جاء به ÷ وأقام الصلاة وآتى الزكاة واجتنب المقبحات، وسيأتي مزيد تقرير لذلك.

  وحينئذ فلا دلالة تدل على جواز تسمية صاحب الكبيرة بأنه مؤمن وإن كان مصدقاً بالله ورسوله وما جاء به ÷؛ لأن المعنى الأصلي بعد النقل عنه يصير مهجوراً، وهذا واضح لكل من أنصف، دون من عاند وتعسف.

[عدم الدليل لا يدل على عدم المدلول]:

  فإن قيل: غاية ما في هذا الكلام الاعتماد على عدم الدليل، وعدم الدليل لا يدل على عدم المدلول.

  قلنا: عدم الدليل لا يدل على عدم المدلول في العقليات، كما إذا قال: إن جبريل # الآن في الأرض، أو إن الجنة والنار قد خلقتا، فإن عدم الدليل على ذلك لا يدل على أن جبريل # ليس في الأرض، ولا على أن الجنة والنار لم يخلقا، بل يمكن ويمكن هذا في العقليات حتى تقوم الدلالة القاطعة على أحد الممكنين، فبعد ذلك يعلم ثبوت أحد الممكنين وانتفاء الآخر مما كانا ضدين أو نقيضين، فأما الشرعيات فعدم الدليل فيها يدل على عدم المدلول قطعاً، وإلا لجوزنا ثبوت صلاة سادسة وحج إلى غير الكعبة وصوم واجب غير رمضان، وقد بينا أن هذه الأسماء قد صارت مستعملة في الشرع لمعانٍ مخصوصة كما ذكرنا، فاستعمالها فيما عداها باطل؛ لفقد الدلالة عليه، وهذا مع قطع النظر عن الأدلة الدالة على بطلان استعمالها فيما ذكره المخالف كما سيأتي تقرير كل من ذلك في محله، فتأمل.