الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

تنبيه: [الاستدلال على الله تعالى بالسمع]:

صفحة 103 - الجزء 1

  سيأتي إلى آخر المختصر من الأَكَالِيم الآخذة من كل مبحث بأصله، وماسكة من كل معنى بمحجزه ومفصله، من دون إخلال بمراد، ولا مناقضة بمزاد، مع تناسب الألفاظ وتطابقها على أبلغ المعاني، وتواردها على أفصح المباني، وهذا كالخارج عما نحن فيه، ولكني أردت به تهييجَ قلب طالب هذا الفن وإلهابَه إلى الفزع إلى علوم العترة النبوية والسلالة العلوية من أوَّل وَهْلَةٍ، ومِن عند الدخول في أول مسألة من مسائل هذا العلم الشريف الذي لا يعذر بجهله أحد.

تنبيه: [الاستدلال على الله تعالى بالسمع]:

  اعلم أنَّ الاستدلالَ على الله تعالى بالسمع الذي هو الكتاب والسنة والإجماع مُتوقفُ صحته على العلم بهذه المسألة، فمن ثَمَّ لم يعتمد المؤلفون فيها إلا على الاستدلال بالعقل؛ لاستلزام الاستدلال عليها بالسمع الدورَ المحض.

  قلت: وهذا إنما يصح ويُسَلَّم لزومُ الدور إذا استدل بالآيات الغير المثيرة، نحو قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[غافر ٦٢]، فأما المثير - أي: المنبه للفكر والْمُوقظ له على ما في العالم من الصنع العجيب والانتظام الغريب - فيصح الاستدلال به كما ذكره الإمام القاسم # في الأساس، وقرره سائر أئمتنا $، وإنما الخلاف في ذلك لأبي هاشم ومن وافقه، حيث ينزلون جميع السمع في هذه المسألة ونحوها مما تتوقف صحة السمع عليه كمسألة عالم وغني بمنزلة الدعوى، لكنه يقال لهم: هذا مسلم في غير المثير، فأما المثير فلا يسلم؛ لأن الاستدلال به ليس من جهة كونه كلام الله تعالى، بل من جهة أنه منبِّهٌ ومرشدٌ للفكر على ما ذكر فيه من الإحداث والاختلاف، وَلْنَذكر من ذلك آيتين في شأن الليل والنهار، ففيهما بلاغ وهدى وشفاء، وإلَّا فالقرآن مملوء من ذلك، وهما قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ ٧١ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ