الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر

صفحة 111 - الجزء 1

فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر

  والفصل في أصل اللغة: هو الفارق بين الشيئين، وفي الاصطلاح: عنوان طائفة من المسائل سوى⁣(⁣١) ما ذكر قبله.

  قال #: (فإن قيل: أربك قادر؟) حقيقة القادر: هو من يصِحُّ منه الفعلُ مع سلامة الأحوال. قلنا: «من يصح منه الفعل» جنس الحد، يدخل فيه كل من صح منه الفعل، سواء صح منه ذلك لأجل ذاته كالباري تعالى، أو لأجل القدرة القائمة به كما في غيره تعالى من سائر القادرين على أفعالهم، كالملائكة $ والجن وجميع الحيوانات. وخرج بإضافة الصحة إلى الفعل صدور المسببات عن أسبابها، فإنه لا يقال فيها: «صحةُ الفعل»، بل يقال: «صحة الأثر»، كانكسار الزجاج عند مصادمة الحجر، وسقوط الثقيل من أعلى إلى أسفل.

  وقلنا: «مع سلامة الأحوال» ليدخل فيه ما إذا منع من الفعل مانعٌ بعد صحته من القادر عليه، كالصحيح القوي على المشي إذا قُيَّدَ بِقَيْدٍ منعه المشي فلا يخرج بذلك عن كونه قادراً على المشي. وكمصاحبة الضد للفعل المقدور، كأن يريد أحدنا المشي يمنة حال مشيه يسرة، فإن حصولهما جميعاً في حالة واحدة ممتنع، والمانع التضاد بين صفتي المشي، فإنَّ صفة كونه يَمْنَةً ضد صفة كونه يَسْرَةً، ولكن ذلك لا يخرج القادر عليه⁣(⁣٢) عن كونه قادراً على المشي يمنة، ولا عن كونه قادراً عليه يسرة، ولا يقال فيمن تعذر عليه الفعل لأجل التضاد: عاجز؛ لأن العاجز من تعذر عليه الفعل الممكن في ذاته، والمتضادات يستحيل الجمع بينها لاستحالة اجتماعها في ذاتها، فتأمل ذلك فهو بحث نفيس، ومنه يعلم أنه لا يصح أن يقال: إن الله تعالى


(١) ولا يعترض هذا الحد بالتنبيه؛ لأنه يزاد فيه: «علمت مما قبلها إجمالًا». (من حاشية على الأصل).

(٢) أي: على المشي.