التفسيق لا يجوز إلا بدليل قطعي:
(فصل:) في حقيقة الفاسق وما تجب من معاملته
  قد تقدم في الفصل الثاني من هذا الباب أن صاحب الكبيرة يسمى فاسقاً، ولا يسمى مؤمناً ولا كافراً ولا منافقاً، وأنه في النار خالداً مخلداً، وحكاية أقوال المخالفين في ذلك والرد عليهم، والمراد من هذا الفصل معرفة الفاسق حيث أطلق عند أهل علم الكلام باعتبار الحقيقة الشرعية الدينية، ومعرفة بعض المعاصي التي علم من الدين كبرها وأنها فسق وصاحبها فاسق، ومعرفة أحكام الفاسق.
التفسيق لا يجوز إلا بدليل قطعي:
  واعلم أولاً أن التفسيق كالتكفير لا يجوز إلا بدليل قطعي سمعي، ولا مجال للعقل ولا للقياس في إثبات أيهما به، إلا إذا كان القياس قطعياً؛ بأن كان من دلالة الفحوى، أو كان جلياً بأن ينص الشارع على فسق من فعل معصية معينة وينص على علة الفسق بها، ثم نجد تلك العلة بذاتها في معصية أخرى من دون فرق، ومثاله تفسيق من قذف محصناً قياساً على تفسيق من قذف محصنة، وحينئذ فما ورد الشرع بمجرد تحريمه أو النهي عنه، أو إيجابه أو الأمر بفعله، ثم خالف المكلف ذلك غير مستحل ولا مكره علم أن ذلك المخالف عاص آثم فقط، ولا يعلم كون تلك المعصية كفراً أو فسقاً إلا بدلالة قطعية سمعية زائدة على ما ثبت به التحريم أو الإيجاب، فإن وردت كذلك وجب الانقياد لها، وإن لم كان الفاعل عاصياً آثماً ولا يجوز تكفيره ولا تفسيقه، ولا يحكم بصغر معصيته؛ لأنه لا أصل للمعاصي ترجع إليه عند الالتباس، وحينئذ فلا يسمى مؤمناً إلا بشرط عدم كبر معصيته عند الله تعالى، ويكون الدعاء له وموالاته ومحبته مشروط بالنية بالاستحقاق، وهو حيث علم الله أن تلك المعصية صغيرة مُكَفَّرَة في اجتناب الكبائر. وقلنا: غير مستحل ولا مكره؛ لأن المستحل لما علم من الدين ضرورة تحريمه كافرٌ كما مر، والمكره لا حكم لفعله مع الإكراه، فلا يكون لهما ما ذكرنا