الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة: وجوب التوبة عقلا وسمعا]

صفحة 539 - الجزء 2

  يجب. فأما في السهو والخطأ فتجب التوبة؛ لأن سببهما قد يكون من جهته بعدم النظر والتحفظ والتيقظ، وإن فرضنا عدم ذلك فالفعل قبيح في ذاته، وكل قبيح تجب فيه التوبة، بخلاف المكره والمضطر فقد خرج الفعل بالإكراه والاضطرار عن القبح؛ بدليل أنه قد وجب الفطر عند الاضطرار، وأبيح عند الإكراه.

  لا يقال: قد رُفع الخطأ والنسيان عن هذه الأمة؛ فلا تجب توبة فيما فُعل كذلك.

  لأنا نقول: لا رفع إلا لما هو ثابت مستحق، ورَفع الإثم بالعفو عن فاعله لا يدل على خروج الفعل عن القبح المستلزم للتوبة، وإنما هو إسقاط عارض على سبيل التفضل، فوجبت التوبة لأجل القبح، وأيضاً لو أصر على الأسباب المقتضيات للخطأ والنسيان من عدم النظر وعدم التحفظ والتيقظ لكان في حكم المتعمد للفعل.

[مسألة: وجوب التوبة عقلاً وسمعاً]:

  مسألة: ووجوب التوبة عقلاً وسمعاً من الكبيرة والصغيرة. وقال القرشي: إنما يعلم وجوب التوبة عن الصغيرة بالسمع فقط، لا بالعقل؛ لأنه لا ضرر فيها، وهو قول أبي هاشم.

  قلت: بل لقائل أن يعكس عليه المسألة والاستدلال؛ لأن كونها لا ضرر فيها إنما عُلم سمعاً، وهو قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}، وما ورد من أن فعل الصلاتين مكفر لما بينهما ما اجتُنبت الكبائر، فلم يعلم كونها لا ضرر فيها إلا سمعاً، دون العقل فهو قاض بوجوب التوبة عن كل قبيح، فيقال حينئذٍ: تجب التوبة عن الصغيرة عقلاً لا سمعاً. لكن لم يعلم خلاف في وجوبها سمعاً صغيرة كانت المعصية أم كبيرة، وإنما الخلاف في وجوبها عقلاً عن الصغيرة؛ فلذا قلنا: تجب عقلاً وسمعاً عن الصغيرة والكبيرة. وقد ذهب أبو الحسين إلى أن العلم بوجوب التوبة معلوم ضرورة، يعني من جهة