الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة: في إسقاط العقاب عند التوبة]

صفحة 549 - الجزء 2

  الكبيرة أحبطت كل الثواب أو كل الطاعات السابقة واللاحقة إلى أن يتوب من معصيته، ولو كانت أجزاء الطاعات أو ثوابها تزيد على أجزاء المعاصي أو عقابها أضعافاً مضاعفة.

  فظهر لك من هذا أن الكبيرة محبطة موجبة للنار بالإجماع على الجملة، وأن القول بالموازنة لا ينافي القول بالإحباط؛ لأن أدلة الإحباط من السمع لا يمكن أحداً⁣(⁣١) إنكارها، لو لم يكن إلا قوله تعالى خطاباً للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}⁣[الحجرات ٢] لكفى، فيجب القول به على الجملة، ويحال التفصيل إلى الله تعالى؛ إذ لا دلالة قاطعة على أحد التفاصيل المذكورة، وإن كان الأنسب بالعدل والأقرب إلى سعة رحمة الله تعالى قول أبي علي فيما إذا زاد الثواب، وقول أبي هاشم فيما إذا زاد العقاب، والله أعلم.

[مسألة: في إسقاط العقاب عند التوبة]:

  مسألة: وإذا تاب عن الكبيرة توبة نصوحاً سقط عقابها إجماعاً، وهو معلوم من الدين ضرورة وإن اختلف في وجوبه على الله تعالى ومجرد حسنه. واختلف هل يعود بالتوبة ما قد أحبطته المعصية من الثواب، وكذلك إذا عاد إلى المعصية بعد أن قد تاب عنها هل يعود عقاب المعصية التي تاب عنها، فقيل: لا في الطرفين، وهو قول البصرية ومن وافقهم من الزيدية، كالمهدي # وغيره. وقيل: نعم في الطرفين، وهو قول بشر بن المعتمر. وقيل: نعم في الطرف الأول، ولا في الثاني، وهو قول أبي القاسم البلخي، ففرق بين الطرفين وقال: يعود الثواب الذي أحبطته المعصية بالتوبة، ولا يعود عقاب ما تاب عنه بالرجوع إلى المعصية. وهذا هو الأنسب بالعدل وسعة رحمته وجوده وكرمه سبحانه وتعالى.


(١) في المخطوط: أحد.