الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[من أحوال الآخرة: الإشهاد على الأعمال بغير زور]:

صفحة 581 - الجزء 2

[من أحوال الآخرة: الإشهاد على الأعمال بغير زور]:

  (و) من أحوال الآخرة (الإشهاد على الأعمال بغير زور) الإشهاد: هو طلب الشهادة من الشاهد: وأراد هنا نفس وقوع الشهادة من الشاهد، وهي جوارح الإنسان: من اللسان واليدين والرجلين والجلود، كما قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ} الآية، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}⁣[يس ٦٥]، وكذلك شهادة كل رسول على أمته، كما قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا}⁣[النساء: ٤١]، فكل ما ذكر من الجوارح والرسل يشهدون على المكلف بما كسبت يداه شهادة مطابقة للواقع لا زور فيها ولا غلط ولا محاباة ولا كذب، بل شهادة بالحق له أو عليه، نسأل الله التوفيق لما يوجب الشهادة لنا لا علينا.

  وقد اختلف في إنطاق الجوارح بتلك الشهادة هل هو نطق حقيقي وكلام يسمعه السامع أم مجاز ولسان حال كقوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}⁣[فصلت ١١]، فالأول نص عليه الإمام القاسم بن محمد @، ولم يحكه هو ولا الشارح عن أحد من أئمتنا $، لكن لا يعلم مخالف منهم في ذلك، وحكاه الإمام المهدي # عن البصرية. وهو على أحد ثلاثة أوجه: إما بأن يخلق الله فيها كلاماً كما خلقه في الشجرة لتكليم موسى #، فتكون نسبة الكلام إليها كنسبته إلى ذراع الشاة المسموم له ÷، ونسبة تسبيح الحصى في يده ÷ مجازاً وفاعل الكلام هو الله تعالى، قال النجري: وهو خلاف الأصل يعني الظاهر من لفظ الآيات. أو بأن يخلق الله لها آلة الكلام، قاله الإمام المهدي #، قال النجري: فيخلق الله تعالى في كل جارحة مثل هيئة اللسان والفم ومخارج الحروف، وحينئذ تكون نسبة التكلم والشهادة إليها حقيقة. وضعفه أبو هاشم بأنه يلزم خروج الجوارح من أن تكون جوارحهم؛ إذ قد صارت كل واحدة منها حية قادرة على انفرادها، اللهم إلا أن يراد أنها كانت جوارحهم، وفيه خروج إلى المجاز، وقال: إن الوجه الأول هو الراجح.