الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[من أحوال الآخرة: انقسام المكلفين]

صفحة 586 - الجزء 2

  يعلم له ثبوت أو انتفاء، فيعلم بعد البحث والسؤال غالباً ثبوته أو انتفاؤه، وهذا كله منتف عن الله تعالى؛ لأنه بكل شيء عليم، ولكن المراد منهما في الآخرة ما هو على صورتهما، أي: صورة البحث بالنظر في كتاب المكلف ماذا عمل، ووزن أعماله وكميات قدرها؛ ليعلم استحقاقه العقاب أو الثواب على صورة يعلم الحق فيها يقيناً لنفسه لا يأخذ ذلك تسليماً، نظراً إلى صدق من يقول: إنه يؤاخذه بما عمل لكونه عدلاً حكيماً، وكذلك السؤال حين يقال للعالم: ما ذا عملت فيما علمت؟ ويقال لهم: ما لكم لا تناصرون، ماذا أجبتم المرسلين، أين شركائي الذين كنتم تزعمون، فإن هذا صورة سؤال وليس بسؤال على حقيقته، وهو ما يطلب به إفادة العلم للسائل، ولكنه تقريع في صورة السؤال يفيد التوبيخ والعقاب على الإخلال بما ترك من الواجب، وعلى الارتكاب لما فعل من القبيح، فلا ينافيه ما ورد من الآيات التي فيها نفي السؤال، كقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ}⁣[الرحمن ٣٩]، فإن المراد لا يسأل سؤال استفهام، يدل عليه ما بعده: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ}⁣[الرحمن ٤١]، فيصير تقدير الآيتين: لا يسأل عن ذنبه سؤال استخبار واستفهام، بل يُسأل سؤال تقريع وتوبيخ وعتاب، فنسأل الله التوفيق لما فيه النجاة عند البحث والسؤال.

[من أحوال الآخرة: انقسام المكلفين]:

  (و) من أحوال الآخرة (أن ينقسموا) أي: المكلفون لا غيرهم، وإن كان غيرهم ممن ليس بمكلف كالصبي والمجنون سيدخل الجنة فليس مراداً في الانقسام؛ لأن ضمير الجمع يعود إلى المكلفين المذكورين في الآية، وهي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}) [الشورى ٧]، ويحتمل أن يراد إدراج الصبي والمجنون في فريق أهل الجنة وإن لم يكن في فريق أهل النار