الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[من أحوال الآخرة: الصراط]

صفحة 601 - الجزء 2

  بلغ رتبتها العلية، وبالشجاعة فإنه أنس بمن سبقه من أبطال البرية، وبالزهادة فإنه إمامها الذي به يقتدى، وبالجود فإنه الذي إليه فيه المنتهى، وبالجملة فلا فضيلة إلا وهو حامل لوائها ومقدام أمرائها، فقل في صفاته ما انطلق به اللسان فلن يعيبك في ذلك إنسان، وفي هذا إشارة إلى عدم انحصار فضائله، وكيف تنحصر وقد قال في التوشيح على الجامع الصحيح: قال أحمد والنسائي وغيرهما: إنه لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ¥. انتهى بلفظه.

  قلت: فهذا كلام إمام بلا ريب أحمد بن حنبل |، وكفى به شاهداً أنه لا يتأتى إحصاء الفضائل لانتشار كتب السنة في الأمصار، وعدم وجدان أكثرها في هذه الديار. انتهى المراد نقله لما كان قد وعد به شيخنا الشارح ¦ عند ذكره البيتين السابقين فعاقه عنه الحِمَام.

[من أحوال الآخرة: الصراط]:

  ومن أحوال الآخرة: الصراط: وهو في أصل اللغة: الطريق، قال تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}⁣[الصافات ٢٣]، وقال الشاعر:

  أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد مستقيم

  واستعير بعد ذلك للدين الحنيف القيم، قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ٧}⁣[الفاتحة]، وقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٢ صِرَاط اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}⁣[الشورى: ٥٢، ٥٣]، وتارة يراد به القرآن، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}⁣[الأنعام ١٥٣].

  واختلف ما المراد به في الآخرة على ثلاثة أقوال:

  أحدها: أنه طريقان: طريق إلى الجنة وطريق إلى النار، ذكره القرشي في المنهاج