الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى سميع بصير

صفحة 207 - الجزء 1

فصل: في الكلام في أن الله تعالى سميع بصير

  وفي معناهما سامع مبصر مدرك في حقه تعالى. وإنما أخرت هذه المسألة لأنها ليست مسألة مستقلة على حِدَتها، بل راجعة إلى ما تقدم، أمَّا على قول جمهور أئمتنا $ والبغدادية فهي راجعة إلى عالم، وأما على قول بعض أئمتنا $ والبصرية فهي راجعة إلى حي⁣(⁣١)، وهو اختيار المؤلف #.

  حقيقة السميع في اللغة: هو مَن يدرك المسموع بمعنى محله الصِّمَاخ.

  وحقيقة البصير: هو مَن يدرك المبصَر⁣(⁣٢) بمعنى محله الحَدَق.

  ولَمَّا كان هذان المعنيان في حق الله سبحانه تعالى محالاً لا يجوز عليه تعالى، وورد السمع بأنه تعالى سميع بصير، وكان من لازم من أدرك شيئاً علم به - قال⁣(⁣٣) جمهور أئمتنا $ والبغدادية: إنهما في حق الله تعالى بمعنى عالم بالمسموع وعالم بالمبصر، ولا فرق بينهما وبين سامع مبصر مدرك لسائر المدركات كالمشموم والمطعوم والملموس، عَبَّر الله تعالى عن علمه بالأشخاص والهيئات وما شاكلها مما يدركه المخلوق بحاسة البصر بكلمة بصير، وعبر عن علمه تعالى بالأصوات ونحوها مما يدركه المخلوق بحاسة السمع بكلمة سميع.

  قال شيخنا ¦: على سبيل التوسع والمجاز.

  قلت: ولا يبعد أنهما صارا حقيقة دينية بالنقل عن معناهما اللغوي إلى لازمه وصارا فيه حقيقة، كما قال بعض أئمتنا $ ومَن وافقهم في «رحمن» و «رحيم»؛ إذ لو كانا مجازاً لاحتاجا إلى قرينة.

  وقال بعض أئمتنا $: بل هما بمعنى حي لا آفة به، ولعلهم يريدون أصلهما في اللغة كذلك، ولا مانع؛ فإن ظاهر قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ


(١) أي: بمعنى حي لا آفة به.

(٢) أي: المشاهَد بفتح الهاء.

(٣) جواب «لَمَّا».