الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال

صفحة 260 - الجزء 1

[فصل] في الكلام في أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الرؤية بحال من الأحوال

  تقدم فيما مرَّ أن الله ليس بجسم ولا عرض ولا يجوز عليه ما جاز عليهما، ومن المعلوم بالدلالة العقلية أن الرؤية لا تصح إلا على الأجسام والأعراض، فصار العلمُ بكونه تعالى لا تصح رؤيتُه داخلاً فيما مَرَّ، لكن اشتهرت المسألة وكَثُرَ الخلاف والشقاق فيها من الخصوم الأشعرية والمجسمة والحشوية وغيرهم؛ لَمَّا كان ديدنُهم إيثارَ اتباع المتشابه ورفض المحكم ودلالة العقول الهادية إلى الرشاد، وتقليد الأسلاف، وارتكاب متن الخلاف والشقاق لقرناء الكتاب وحجج الله على خلقه إلى يوم الحساب، أولهم إمام خير القرون، وآخرهم طائفة الحق الذين لم يزالوا عليه يقاتلون، وهذا المؤلف لهذا المختصر أحد أمرائهم العادلين، فَكيف بمجموع كبرائهم الفاضلين؟ فاسمع كلامه ما أبلغه في الاحتجاج، وما أفصحه وأقطعه لألسنة أهل اللجاج.

  قال #: (فإن قيل) لك (: أربك يُرى بالأبصار؟ فقل: هذه مقالة الفجار، وهي باطلة عند أولي الأبصار) فَانظر إلى ما حوته هذه الفقرة مِن البلاغةِ في رَد تلك العقيدة الردية والمقالة الفرية، حَيثُ سَجَّلَ على القائلين بِجواز الرؤية بِأَنَّهم فجار {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}⁣[الإنفطار ١٤]، وإِنَّ مقالتهم باطلة، والباطلُ نقيض الحق، وحيثُ جَعلَ بطلانَها ثابتاً⁣(⁣١) عند أُولي الأبصار؛ لأن أُولي الأبصار هم الذين يدور الحق معهم حيث داروا، وليس المراد بهم إِلا مَن جعلَهم اللهُ ورسولُه قرناءَ كتابه على الإطلاق، ونصبَهم سفينةً عاصمة لمن اتبعهم عن الإغراق، وَتَركَ الجوابَ في هذا الموضع الخارج على مقتضى السؤال عنَِ كونه تعالى يُرى أولا يُرى كما مر في الفصول السابقة، فَلم يَقل: فقل: لا


(١) في الأصل ثابت بالرفع، والصواب ما أثبتناه.