[الرد على الفرق المخالفة في أن الله تعالى لا ثاني له]
  فالأول يصح الاستدلال بِه على جميع مسائل التوحيد التي مر ذِكرُها، والثاني لا يَصِحُّ الاستدلال بِه إلا فيما لا يستلزم الدور، كهذه المسألة اتفاقاً، ومسألة نفي الرؤية وسميع بصير وقادر وحي وقديم على قول، فأمَّا مسألة إثبات الصانع وعالم وغني فَلا يصح بغير المثير اتفاقاً؛ لأن صحة السمع متوقف على ثبوت هذه الثلاث المسائل، فَلو أثبت بالسمع كان إذاً دوراً محضاً، ما لم يكن مثيراً فَلا دور؛ لأن الاستدلال حينئذ يكون من جهة الإثارة لا من جهة كون الكلام كلامه تعالى.
[الرد على الفرق المخالفة في أن الله تعالى لا ثاني له]:
  تنبيه: اعلم أنه إذا تقررت الأدلة وثبت القول بأنه تعالى إله واحد لم نحتج إلى الاشتغال بإبطال كلام المخالفين؛ لأن المسألة متى دارت بين نفي وإثبات لَزم من ثبوت أحدهما نفيُ الآخر؛ لأن ذلك شأن النقيضين، فإذا ثَبَت القولُ بأنه تعالى واحدٌ بطلَ القولُ بإِلهية غيرِه، لكن نزيد الكلام إيضاحاً بأن نقول:
  أما الثنوية القائلون بالنور والظلمة(١) فَيبطل قولهم بأن النور والظلمة محدثان يتضادان على الهواء، يعدم أحدهما فيوجد الآخر، وما صح عليه العدم بعد وجوده والوجود بعد عدمه فلا شك في حدوثه.
  وبعد، فَقولُهم: إن النور فاعل الخير بطبعه، ولا يقدر على الشر، مع أنه ممدوح على ذلك، والظلمة فاعل للشر بطبعه، ولا يقدر على الخير، مع أنه مذموم على ذلك - دعوى بلا برهان عليها، وكل دعوى بلا برهان عليها فلا شك في بطلانها.
  وبعدُ، فلم يكن النور فاعل الخير والظلمة فاعل الشر بأولى من العكس؛ لأن الكل بالطبع، وكذلك كون النور ممدوحاً والظلمة مذمومة، إِلا أن يكون من
(١) ولله القائل:
وكم لسوادِ الليلِ عندَك من يدٍ ... تُخبر أن المانويَةَ تَكْذِبُ