في حسن الفعل أو قبحه:
  والمدح والذم على حصولها، وقبح ذلك مع عدم حصولها. ولكون قسرِ العبد على الفعل وخلقِه فيه وصرفِه عنه ينافي التكليف بالفعل الاختياري المتوقف حسن الإرسال والمجازاة عليه - لزم امتناع الجبر على الفعل وخلقه فيه والصرف عنه؛ ضرورة انتفاء النقيض عند حصول نقيضه، وقد علمنا حصول الحسن في الإرسال والمجازاة - للإجماع على ذلك مع ما ذكر من الدلالة العقلية عليه - فلنعلم حصول شرط وجود الحسن، وهو كون العبد فاعلاً لفعله بالاختيار ونعلم انتفاء المنافي لذلك الشرط، وهو الجبر وخلق الفعل والصرف عنه؛ ومن ثمَّ ترى الأشاعرة يفرون من القول بالجبر - لعلمهم منافاته التكليف - ثم يدخلون فيه من الباب الذي يلي ما فروا منه من الجبر، فيقولون: لم يجبر الله العبد على الفعل كما تقوله الجهمية، فذلك باطل لا يصح، ولكنه تعالى خلق الفعل في العبد والعبدُ كَسَبَه، فأي فرق بين هذا وبين قول الجهمي إذا قال لهم: نعم إن الله خلق الفعل في العبد ولا نعرف للكسب الذي تدعونه معنىً؛ لأنه إن كان المرجع به إلى إيجاد عين الفعل، وذاته من العبد - فأين موضع الخلق الذي من الله تعالى؟ وإن كان المرجع بالخلق إلى إيجاد عين الفعل، وذاته من الله تعالى فأين موضع الكسب من العبد؟ فليس للكسب معنى يعقل سوى أنه تصحيف الكذب في اللفظ ومرادفه في المعنى، وسيأتي مزيد تحقيق إن شاء الله لإبطاله في موضعه.
في حسن الفعل أو قبحه:
  وأما الطرف الثالث: وهو في بيان الوجوه التي لأجل يحسن الفعل أو يقبح. فاعلم أولاً أنه ربما يتوهم متوهم أنه لا فرق بين هذا الطرف وبين الذي قبله إلا في العبارة وأن المعنى واحد، وليس كذلك، بل منزلة هذا الطرف من الذي قبله منزلة المدرك من المدرك به، وبمنزلة التفصيل بعد الإبهام، وعليه تتوقف القاعدة التي يكون عليها أُسّ العدل أو الجبر؛ ولهذا ذكر في الأساس الطرفين