الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

بحث مفيد في أن الله تعالى لا يفعل الفساد ولا يريده من العباد:

صفحة 357 - الجزء 1

بحث مفيد في أن الله تعالى لا يفعل الفساد ولا يريده من العباد:

  وبالجملة فكونه تعالى عدلاً حكيماً لا يفعل الفساد ولا يريده من العباد معلوم من الدين، فمن أنكره فقد كفر بلا ريب ولا شبهة. ويقال لهم: أخبرونا إن لم يكن الله عدلاً حكيماً فماذا يفعل، هل يزاد فعله على ما نسبتموه إليه من أنه تعالى فعل الكفر في الكافرين وعاقبهم عليه ومع ذلك فهو ينهاهم عنه ويريده منهم ويقدره عليهم، ويكره منهم الإيمان وكلفهم به ولم يجعل لهم طاقة عليه، وفعل وأراد كل كذب وفجور في الخارج حتى إنكم تبالغون في نسبة ذلك إليه تعالى فتقولون: ما من كذب ولا ظلم ولا فجور ولا فسق ولا كفور إلا وهو خالقه وفاعله ومقدره ومريد له {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ١٠ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ١١}⁣[الذاريات] لقد استحوذ عليهم الشيطان كل الاستحواذ فأنساهم ذكر الله، واتخذهم له إخواناً وأعواناً أي اتخاذ على إضلاله عباد الله تعالى، حتى سهلوا للعاصين كل عسير، وأطمعوا الظالمين في ترك عقابهم على الصغير والكبير، وحتى صار عندهم سِيَّان دخول الجنة أو النار أهل الكفر أو الإيمان، فالكل جائز في عقولهم الضالة وأصولهم السافلة. ولا تنخدع أيها المسترشد إلى قولهم بعد ذلك، لكن ورد السمع بأن المؤمنين في الجنة والكافرين في النار فنقطع بوقوعه نظراً إلى السمع لا إلى ما يجوزه العقل؛ لأن السمع الوارد على خلاف ما يجوزه العقل يجب تأويله وحمله على ما يوافق العقل اتفاقاً بين الجميع، ولأن السمع إنما يفيد القطع بأن مدلوله على ما تناوله اللفظ إذا لم يعرف المتكلم به بالكذب، فأما وقد عرفَ المتكلم به أنه فاعل ومريد كل كذب في أَلْسِنَة الكذابين فهو أكذبهم - فلا ينتج القطع بصحة خبره، بل غاية ما فيه صحة الأمرين على سواء، وفي ذلك رجوع إلى ما قضت به عقولهم الفاسدة وأصولهم الكاسدة من استواء الكافرين والمؤمنين والأنبياء $ والفراعنة في تجويز مصير كل منهم إلى