[شبه الجاحظ ومن معه والجواب عليها]
  فإن كان قول الجاحظ كما هو الظاهر من إطلاق الرواية عنه فبينه وبين قول النظام خلاف كبير؛ من حيث إِن النظام يضيف نحو القيام والقعود وسائر المباشرات إلى العبد، ويجعلها فعله، والجاحظ لم يضفها إلى العبد ولا إلى الله، بل إلى الطبع، وإن كان قوله على حسب المحمل الذي حملناه عليه كان الخلاف بينهما في أن ما خرج عن محل القدرة وهو المتولد - ويقال له: المتعدي - يجعله النظام فعل الله بواسطة الطبع، والجاحظ يجعله للطبع فقط، ولا يسنده إلى الله ولا إلى العبد.
  واختلف أهل المقالات والأخبار هل الجاحظ شيخ النظام أم العكس؟ فقال الحاكم في العيون بالأول، وقال ابن خلكان بالثاني.
  وقال معمر وصالح قُبَّهْ: ما خرج عن محل القدرة فهو فعل الله ابتداءً بلا واسطة طبع، وإنما ينسب إلى العبد لوقوعه بواسطة فعله عادة، كالإحراق بالنار والموت بالسم ونحو ذلك.
  وقال ثمامة بن الأشرس: ما خرج عن محل القدرة فهو حدث لا محدِث له.
  فظهر إنما التنازع والاختلاف بينهم الجميع في شأن المتولد الخارج عن محل القدرة، دون المباشر القائم بالإنسان، كالقيام والقعود والمشي وتحريك اليد، فلا يتأتى إنكار الجاحظ أن ذلك فعل العبد مع ما له من دقة النظر وتحقيق أفنان العلوم، والله أعلم.
[شبه الجاحظ ومن معه والجواب عليها]:
  شبهتهم الجميع: أن الحجر يذهب في الهواء عند الرمي به ولا يقدر العبد على توقيفه والزيادة أو النقص عن المسافة التي ينتهي إليها بعد انفصاله وخروجه من الكف.
  قلنا: وإن كان الأمر كذلك فهو لا يستلزم ما ذكرتم؛ لأن صدور المسبب بعد وجود سببه واجب لذات السَّبَب أو لما هو عليه في ذاته مع تكامل شروطه؛ لأن فاعل السبب فاعل المسبب، وقلنا: «لذات السَّبَبِ» وهو نفس الرمي بالجسم،