معاني القضاء:
[فصل:] في الكلام في القضاء والقدر وغيرهما من المتشابه
  اعلم أن القضاء والقدر والهدى والضلال، والطبع والختم، والإغواء والفتنة، والتزيين - من الألفاظ المتشابهة، وقد علمت أن الناس فيه بين قائل: لا يعلم تأويله إلا الله، وقائل: يعلمه الراسخون في العلم، فَمن ذهب إلى الأول لا يصحُّ له التمسك بالآيات التي فيها ما ذكر من القضاء والقدر ونحوهما على أن الله خلق أفعال العباد وأرادها منهم؛ لأن ذلك ينقض عليه أصله من أنه لا يعلم تأويلَه إلا الله. ومَن ذهب إلى الثاني صَحَّ له البحث والنظر في معاني تلك الألفاظ بمقتضى اللغة العربية، فيحملها على الوجه الأنسبِ لِتنزيه الله تعالى عن فعل القبيح، والأقربِ إِلى موافقة الآيات المحكمة، نحو: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ}[غافر: ٢٠]، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر ٧]، {لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة ٢٠٥]، وقد خالف أهلُ الجبر أصلَهم وقاعدتَهم أنَّ المتشابه لا يعلم تأويلَه إلا الله، وزعموا أنَّ تلك الألفاظَ دالةُ على أن الله تعالى خلقَ أفعالَ العباد، وأضلَّهم وأغواهم عن الدين وفتنَهم عنه، وزينَّ لهم الكفر وأراده منهم، وكذلك الفسق وسائر العصيان، تعالى الله عن إفكهم علواً كبيراً.
  وقد سبق في هذا المختصر أن الله تعالى إنما أنزل المتشابه ليبتلي عباده العلماء، ويتعبدهم بالتأمل والتدبر لاستخراج معانيه الصحيحة المرادة، واجتناب التّآويل(١) الباطلة القبيحة الكاسدة، التي أشار الله تعالى إليها بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}[آل عمران ٧].
معاني القضاء:
  إِذا عرفتَ ذلك فاعلم أن القضاء في اللغة يأتي لمعان متعددة:
(١) التأويلات. نخ.