[الكلام على الإغواء]
  اتفاقاً، فلم يبق إلا حملهما على أبلغ الوجوه وأدخلها في البلاغة والإعجاز، وهو الوجه الأول، ولا مانع من الوجه الثاني والثالث، غير أن الأول أفصح وأبلغ، وأمَّا الوجه الذي حمله عليه أهل الجبر فَهو بناءٌ على خلق أفعال العباد وإرادتها منهم، وقد مَرَّ إِبطالُه، وسيأتي مزيد على ذلك في مسألة الإرادة إن شاء الله تعالى.
[الكلام على الإغواء]:
  وَأَمَّا الإغواء: في قوله تعالى حكاية عن نوح # مخاطباً لقومه: {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}[هود ٣٤]، فَليس فيه صراحة أنه تعالى قد أراد أن يغويَهم أو أنه قد أغواهم، بل غايةَ ما في الآية الإِخبارُ منه # أنَّ نصحَه لهم مع استمرارهم على العناد والجدال بالباطل غيرُ نافع، وعلَّقَ عدم هذا النفع بما إذا قد علم اللهُ من حَالهم أنَّهم سيصرون ويستمرون على طغيانهم وعنادهم فلا يعطيهم التوفيق والتسديد، وَعَبَّر عنه بِالإغواء بِجَامع عدم الوصول إلى النفع، ومبالغة في التحذير لهم عن المعاندة المفضية إلى منع التوفيق والتسديد، يزيده وضوحاً ما حكاه الله تعالى عن إبليس: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي}[الحجر ٣٩]، أي: خيبتني ولم تعطني التوفيق والتسديد. ويقال لهم: إذا كان نوح # مراده ما تزعمون من الإغواء عن الدين والصد عنه فمراد إبليس لعنه الله كذلك، فيكون نوحاً # موافقاً لإبليس الخبيث في ذلك الاعتقاد النكيث، وهذا واضح [لمن تأمل](١).
[الكلام على الفتنة]:
  وأما الفِتْنَة فهي تأتي بمعنى البَلْوَى، وهو فعل ما عنده يتبين حقيقة الشيء وحالته التي هو عليها، ومنه قولهم: فَتَنْتُ الذَّهَبَ، إذا حَرَّقْتَه ليتبين لك حقيقة
(١) ما بين المعقوفين زيادة من (أ).