الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الأرزاق

صفحة 532 - الجزء 1

فرع:

  ولا توجبه الحكمة، بمعنى أنه إذا أمات الله تعالى شخصاً جوعاً فلا ينافي ذلك الحكمة؛ لأن من الجائز امتحان ذلك الشخص أو غيره بالموت على تلك الصفة، وجعل الجوع سبباً من جملة الأسباب للموت. وقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}⁣[هود ٦] قيل: {عَلَى} بمعنى مِنْ، والأظهر أنه نزل تضمن الله سبحانه لعباده أرزاقهم بمنزلة الواجب؛ لما في ذلك لهم من داعي الاعتماد على الله تعالى والركون عليه في تسيير الأرزاق وتسخيرها عند السعي لها من الوجوه المستحسنة. قال الإمام المهدي # بعد قوله: ولا توجبه الحكمة: وقد يجب على الله سبحانه الرزق لوجه عارض، وهو حيث يعلم أن في توسيع رزق لشخص لطفاً له في الدين ومصلحة، فيجب حينئذ لكونه لطفاً لا لكونه رزقاً. وقد يقبح منه ذلك، وذلك حيث يكون مفسدة، كما نبه الله على ذلك حيث قال: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ}، وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ٦ أَنْ رَأَىهُ اسْتَغْنَى ٧}⁣[العلق]، والإنسان جنس، كأنه قال: إن هذا الجنس من الحيوان ليطغى. انتهى كلامه، والمسك ختامه.

  وقال السيد هاشم |: لا مانع من القول بالوجوب بعد تحقق الوعد به، والمراد به الرزق مدة الحياة؛ فلا ينافيه جعل الموت في بعض الأشخاص بالجوع مثلاً. انتهى. وقول الإمام #: وقد يقبح منه ذلك، يعني قد يقبح وقوعه فلا يقع منه سبحانه وتعالى، وذلك حيث يكون مفسدة الخ.

  فإن قيل: فقد علمنا وشاهدنا كثيراً من الخلق يفسدون ويبغون في الأرض بسبب وجود الأموال لديهم وسعتها، وبسط الأرزاق لهم وتيسرها، كما هو المعلوم من حال أهل السرف والإنفاق في المعاصي، ولو لم تكن لهم تلك الأموال لما تمكنوا من ذلك.