[التكسب]
  يمنعه جمعه مع الاستغناء عنه فعل واجب، كالجهاد وتعلم الجاهل ما يجب معرفته من معالم الدين. وقد يكون مكروهاً حيث كان معه من الكفاية ما يقوم بمحتاجاته، ولم يقصد بجمعه أحد الوجوه المحرمة، وكان جمعه يشغله عن المندوبات وفِعل المودات والسعي في الخيرات، كالإصلاح بين الناس والتصدي لمصالحهم، كتحمل الشهادات لأدائها عند الاحتياج رعاية لحقوق الخلق. وقد يكون مباحاً، وذلك فيما عدا ما ذكر من الأحكام الأربعة، وقد يصعب تمثيله؛ إذ لا يخلو عن وجه يقتضي أحد الأربعة وأقلها ما يقتضي الكراهة؛ إذ لا يخلو كل اشتغال بالجمع عن أن يكون شاغلاً عن فعل ما هو أولى منه من طلب العلم ودرس القرآن والأذكار المندوبة. والله أعلم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا القناعة عن حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة.
مسألة:
  زعم أهل التكاسل والمدلسين من المتصوفين أن التكسب حرام؛ لأنه ينافي التوكل على الله سبحانه في تيسير الأرزاق وتسخيرها. وقال قوم: إن ذلك حرام من حيث إن قد فسد الزمان، وكثرت المعاملات الفاسدة من الغصب والربا والخداع وأخذ الرشا وعطاء سلاطين الجور ما أخذوه كرهاً من الرعايا، فصار غالب ما في أيدي الناس حراماً، فلا تجوز المعاملة معهم ببيع ولا شراء ولا استوهاب ولا غير ذلك؛ لأنه لا يؤمن تناول الحرام.
  والجواب عليهم الجميع: أن أقوالهم هذه تؤدي إلى رفع ما علم بضرورة العقل حسنه، وأجمعت الأمة قبلهم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى زمن هؤلاء المخالفين وعلم من الدين ضرورة جوازه، بل ورد الشرع بندبه، وهو التكسب من الوجه الحلال، ومعارضة ذلك بتجويز مصادفة الحرام لا تقتضي رفع الحكم الثابت قطعاً بضرورة العقل والعلم من الدين ضرورة. ووجوب