مسألة: [في حسن بعثة الرسل]:
مسألة: [في حسن بعثة الرسل]:
  واتفق المسلمون على حسن بعثة الرسل، العدلية لما مر، والمجبرة لا يُعلم لذلك وجه صحيح، ولا بد أن يقولوا: ليعرفوا بها الشرائع والأحكام حيث لا مجال للعقل فيها. وهو منتقض عليهم بأنه لا يجب عندهم شكر المنعم عقلاً، وتعرف الشرائع إنما كان لأجل أداء الشكر، وهو لا يجب عندهم إلا سمعاً، والسمع لا يثبت إلا بالنبوة، فيكون دوراً محضاً أو إيجاباً للعلم بالنبوة بلا وجه، والكل باطل.
  وبعد، فإذا كان فعل العبد مخلوقاً طاعة كان أو معصية فوجوده وعدمه متوقف على الخلق، لا على البعثة والأمر والنهي والتعريف.
  وتحسن بعثة الرسل. قال أهل الكتاب من اليهود والنصارى(١).
  وقالت البراهمة: لا تحسن بعثة الرسل. وهم قوم من كفار الهند قالوا بإثبات الصانع ø وأنه فاعل مختار، لكن نفوا النبوات رأساً وقالوا: لا تحسن؛ لأن الرسل إن جاؤوا بما قد أدرك العقل حسنه ففي العقل عنهم غنية، وإن جاؤوا بما أدرك قبحه فلا قبول لقولهم.
  قلنا: يجوز في العقل أن يكون في بعض الأفعال ما هو مصلحة وفي بعضها ما هو مفسدة مما لا يهتدي فيه العقل إلى حكم معين فيها؛ لأنا لم نقل: إن جميع المصالح والمفاسد قد علمت على التفصيل، بل قلنا: بعضها علم حسنه، كالعدل، والإحسان، والصدق، وشكر المنعم على الجملة، ورد الوديعة، وقضاء الدين، وإرشاد الضال وإن كان ليس إلا من باب(٢) الأولى، وبعضها قضى بقبحه، كأضداد المذكورة. والقبح في عدم إرشاد الضال بمعنى الكراهة فقط،
(١) لعلها: وفاقًا لأهل الكتاب الخ.
(٢) أي: أنه مندوب عقلاً لا واجب.