القرآن غير قديم:
  وإن قالوا: إن المعنى القديم لا يختلف باختلاف هذه الكتب كان أبعد عن الصواب؛ إذ لا مناسبة حينئذ بينها وبينه، فيكون لا طريق إلى العلم به من باب الأولى، ويلزم فيه ما ذكر من أنه لا يجوز القول به لعدم الدليل، بل يجب نفيه؛ لئلا يلزم مع الله تعالى إله آخر، ومن ثمة قال القرشي ¦ في المنهاج: وأما الكلام النفسي فلسنا نقول به فضلاً عن أن نصفه بقدمٍ أو حدوث.
القرآن غير قديم:
  واعلم أنه لا دلالة في القرآن ولا في السنة ولا غيرهما من الأدلة - كدليل العقل والإجماع والقياس - على قدم القرآن، فلا تجد آية ولا خبراً معلوماً عن الرسول ÷ يقضي بقدمه أصلاً، وأما ما يدل على حدوثه فقد تقدمت الأدلة بما فيه كفاية، ويزيد ذلك وضوحاً على أنه كما ذهبنا إليه من أنه كلام الله وأنه مسموع محدث مخلوق قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[لزخرف ٣]، والجعل: هو الخلق والإحداث؛ لقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام ١] {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا}[فصلت ١٠]. وقوله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[هود ١]، وما كان محكماً مفصلاً من لدن غيره فلا شك في حدوثه. وقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ}[الأنعام ١٥٥] وقوله تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}[ص ٢٩] {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ}[طه ١١٤] {وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل ٤] {فَأْتُوا بِمِثْلِهِ}، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تعلق فعل الله تعالى أو فعل العبد به نحو: {وَرَتِّلْ} {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ}، ولو كان قديماً لما تعلق به فعل فاعل البتة.
  إن قيل: هذه الآيات جميعها تعود إلى هذا المنزل على رسول الله ÷، ولا خلاف في حدوثه إلا عن الكرامية والحنابلة، ولا تتناول هذه الآيات كلام الله القديم القائم بذاته.
  قلنا: فيجب حينئذ التسليم وعدم النزاع في أن القرآن محدث مخلوق، ولا كذلك