الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[أهل الكبائر ومعرفة مآلهم في الآخرة]

صفحة 368 - الجزء 2

[أهل الكبائر ومعرفة مآلهم في الآخرة]:

  المسألة الثانية مما يتعلق بأهل الكبائر: معرفة مآلهم في الآخرة، وتسمى مسألة خلود الفساق في النار، ومسألة الوعيد للفساق، ومسألة الإرجاء، وهي من معارك الأنظار وموارك الأفكار، وقد وقع فيها اختلاف شديد بين علماء الإسلام، وحارت فيها ألباب كثير من أولي الأفهام، وفي الحقيقة لا يكلف الله أحداً القول إلا بما علم، وما لم يعلم لا يجوز له القول به تبعاً وتقليداً للأسلاف، بل يكفيه في النجاة اجتناب الكبائر والفواحش ومعاداة أهلها ومباينتهم، وتوقي الصغائر ما أمكن، ويقول في هذه المسألة بأحسن الأقوال إن ظهر له وإلا فيكل أمرها إلى الله تعالى، وقد قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}، وقد تكلم السلف رحمهم الله تعالى على هذه المسألة وهي القول بخلود الفساق في النار واستدلوا عليها بأدلة كثيرة سمعية، وعارضهم المخالفون بأدلة سمعية، ولابد لمن أراد معرفة الحقيقة من الاطلاع على أقوال الجميع، وما يردُّ به كل منهم على الآخر حتى يتضح الدليل، والله يهدي إلى سواء السبيل.

  فنقول: اختلف الناس في أهل الكبائر، قال الجلال: على خمسة أقوال، والصحيح ليس إلا ثلاثة أقوال:

  الأول: قول جمهور أهل العدل من الزيدية والمعتزلة، وهو ما أشار إليه # بقوله: (وأدين الله تعالى بأنهم متى ماتوا مُصرين على الكبائر) غير تائبين ولا مقلعين عنها (فإنهم يدخلون نار جهنم، ويُخَلَّدون فيها أبداً، ولا يخرجون منها في حال من الأحوال).

  الثاني: قول المجبرة من الأشعرية وغيرهم، وهو قول بعض المحدثين: إنهم سيدخلون النار قطعاً ثم يخرجون منها.

  الثالث: قول أبي حنيفة وبعض من الزيدية، وهو قول طائفة من المتسمين