قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

التزيين

صفحة 114 - الجزء 1

  ١ - فمن حيث ميل النفس والطبيعة والشهوة لا شك أن كل مكلف يجد من نفسه ذلك الميول النفسي، وحب الوقوع في المعاصي، ولولا زواجر الرحمن ووعيده ثم توفيقه وتسديده لوقع الكل تقريباً في المعاصي، ومن هذه الحيثية فلا مانع من إسناد التزيين إلى الباري ø، ومن هنا جاء قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ... الآية}⁣[آل عمران: ١٤]، فالله سبحانه وتعالى هو الذي طبع الناس على تلك الطبيعة، وفطرهم عليها، وهذا في حين أنه تعالى فطر الناس على استقباح القبائح والفواحش، واستنكار ذلك، والنفرة منه.

  ٢ - لا شك أن الله تعالى رغب عباده في الطاعات بما جعل من الثواب المضاعف والأجور الجزيلة والعاقبة الحسنة، فمن هذه الحيثية لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى زين لعباده المعاصي، بمعنى أنه تعالى رغّبهم فيها ودعاهم إليها، مثل ترغيبه تعالى في الطاعات والدعوة إليها.

  ٣ - الحيثية الأولى هي من حيث تزيين المعصية عند الشهوة، وها هنا حيثية أخرى هي تزيين المعصية عند العقل، وتزيين المعصية عند العقل ممالا يكون، وذلك أن الله تعالى فطر عقول المكلفين على طبيعة واحدة، لا تختلف أحكامها، فكل عاقل يحكم بفطرة عقله بأنّ الواحد نصف الاثنين، وأن الكل أكثر من الجزء و ... إلخ، وكل عاقل يمقت بمجرد حكم عقله الظلم والظالمين، ويحب ذا العدل والعادلين و ... إلخ.

  ومن هذه الحيثية فلا يجوز أن يقال: إن الله تعالى زين المعاصي للعصاة، وذلك لما فيه من مخالفة الواقع، فإن العصاة جميعاً إنما أُتوا من قبل الهوى والشهوات بنصوص القرآن، كما في قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُس}⁣[النجم: ٢٣] {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ... الآية}⁣[الفرقان: ٤٣].