قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

تفسير آيات التزيين

صفحة 116 - الجزء 1

  ومن وظائفه: النظر في عواقب الأمور، والدعوة إلى الحذر وترك الغرور، وإلى فعل ما يكسب المرءَ الكرامة والسلامة والعزة والرفعة والزكاء والطهارة والكمال و ... إلخ.

  وما ذكرنا عن هذين الداعيين أخذناه من قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ٧ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ٨ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ٩ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ١٠}⁣[الشمس].

  فإذا استجاب المرء وانقاد لداعي شهوته ضعف داعي العقل، ويزداد الضعف بازدياد الانقياد للشهوة حتى تسيطر الشهوة على المرء، وحينئذ فلا يكون للعقل سلطان، وقد ينتهي دوره تماماً ويصير صاحبه كما حكى الله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ١٧١}⁣[البقرة].

  وإذا استجاب المرء لداعي العقل والحكمة وانقاد له ضعف داعي الشهوة، وكلما ازداد المرء في الاستجابة والانقياد لداعي الحكمة ازداد ضعف داعي الشهوة.

  وقد كلف الله تعالى عباده بجهاد النفس وقمع أهوائها، يقول الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}⁣[النازعات].

  وسمى رسول الله ÷ مصارعة الأهواء والشهوات، وكبح جماحها، ومغالبتها - بالجهاد الأكبر في قوله ÷: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»⁣(⁣١).

  مما تستدل به المجبرة على قولهم: قوله تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم ..}⁣[الأنعام: ١٠٨].

  فنقول: المعنى أن الله تعالى زين لكل أمة على ألسن الرسل المبعوثين إليهم طاعاته وعباداته وتقواه التي لم يخلقهم الله تعالى إلا من أجلها، فزين الله تعالى لهم ذلك، ورغبهم فيه بما جعل من الثواب العظيم، والأجر الجزيل، والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، بالإضافة إلى ما في أعمال الطاعة من المصالح العظيمة في الدنيا.


(١) الاعتبار وسلوة العارفين ص ٥٧٥، والأصول الثمانية للإمام محمد بن القاسم الرسي ص ٦٨، والكشاف للزمخشري (٣/ ١٧٣) وشرح نهج البلاغة (١٠/ ٥٤) والزهد للبيهقي ص ١٦٥، ... الخ.