قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

تفضل الله تعالى على عباده في الآخرة

صفحة 145 - الجزء 1

  ذلك من التنوير والهداية حتى يصل المكلف بما زاده الله تعالى من التنوير والهدى والبصيرة إلى درجة العصمة.

  ودليل ذلك قوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}⁣[الأنفال: ٢٩] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ١٧}⁣[محمد] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ...}⁣[الحديد: ٢٨] ونحو ذلك من الآيات.

  وليست العصمة ملجئة لصاحبها ومضطرة له إلى فعل الطاعة وترك المعصية، بل هو معها مختار، يقدر على فعل الطاعة وفعل المعصية، غير أنه لما عنده من العصمة يختار الطاعة ويترك المعصية.

تفضل الله تعالى على عباده في الآخرة

  لا يقال في شيء مما يفعله الله تعالى إنه واجب عليه سبحانه، وذلك أن إطلاق الوجوب عليه تعالى يوهم التكليف الذي يفيد تحميل الكلفة والمشقة، وكل ما فيه إيهام الخطأ فلا يجوز إطلاقه على الله تعالى.

  وبعد، فقد ثبت بما يأتي أن الطاعات إنما وجبت على المكلفين شكراً لله تعالى على نعمه التي لا تحصى، وحينئذ فيكون الثواب الذي وعدهم الله عليها تفضلاً خالصاً.

  فإن قيل: إن الله تعالى قد جعل الثواب جزاءً على الأعمال الصالحة في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}⁣[الواقعة: ٢٤]، وقوله سبحانه: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}⁣[المرسلات: ٤٣].

  قلنا: جعله الله تعالى جزاءً على سبيل التفضل، يدل على ذلك قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ٣٤ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ٣٥}⁣[فاطر].

  قال الإمام علي # في نهج البلاغة: (... وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى