قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

المعجزة

صفحة 151 - الجزء 1

المعجزة

  لا تصح دعوى النبوة إلا بحجة واضحة، ودليل قاهر يشهد بصحة الدعوى، فما شهد بذلك فإنه يسمى معجزة.

  ومعجزات نبينا محمد ÷ كثيرة، قيل: إنها ألف معجزة، وقيل: أكثر من ذلك.

  ومعجزته ÷ الكبرى هي القرآن الكريم، فهو الحجة الباقية إلى يوم القيامة، وإعجازه هو من جهة البلاغة والبيان، والسر في أن الله تعالى جعل معجزة النبي ÷ من هذا الجنس، هو أن العرب قد كانوا بلغوا في ذلك الزمن الغاية القصوى في صناعة الكلام، وبلغوا النهاية في سلوك طرق البلاغة والبيان، وراجت هذه الصناعة عند العرب رواجاً عظيماً، فكانوا يجتمعون لها في أسواقهم، حيث يعرضون ما عندهم من بدائع الشعر ومحاسن الخطب، ويتنافسون في ذلك، ويتبارون بين يدي الحكام الذين يصدرون أحكامهم في تلك المنافسة، ويعلنون اسم الفائز بالسبق في هذا المضمار، ولشدة محبتهم لهذه الصناعة وميلهم إليها فإن قريشاً علقت في الكعبة سبع قصائد من الشعر؛ لما رأت فيها من مهارة الصنعة وبلاغة البيان، وقد كانت تلك القصائد السبع من أحسن أو أحسن ما نظم من الكلام، وأبدع ما طرق الأسماع.

  وقد بعث الله نبيه محمداً ÷ وتلك القصائد معلقة في الكعبة، فلما قرأ الرسول ÷ على قريش آيات القرآن، وسمعوا بلاغته وبداعته وحسن بيانه هتكوا تلك المعلقات عن جدران الكعبة، وأخرجوها منها، فلمهارة العرب في صناعة الكلام ولشدة معرفتهم بطرق البلاغة والبيان جعل الله تعالى معجزة نبيه ÷ من ذلك الجنس الذي يتعاطونه، ويشتغلون به، كما جعل سبحانه معجزة عيسى # إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى؛ لما كان قومه الذين بعث إليهم يشتغلون في الطب ومعالجة المرضى، وقد كانوا مهروا في ذلك غاية المهارة.