المحكم والمتشابه
  والجواب: أن الله تعالى قال في المتشابه: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه .....}[آل عمران: ٧].
  فدل بذلك على أن له معنى يتبعه أهل الزيغ، ويتوصلون به إلى إيقاع الناس في الفتنة، وحينئذ فلا بد أن يكون للمتشابه معنى آخر صحيح غير المعنى الذي يتبعه أهل الزيغ، ويكون هذا المعنى الآخر هو المقصود والمراد، يعلمه الراسخون في العلم؛ وذلك:
  ١ - لأن كلمة تَشَابَهَ وما يشتق منها تدل بصيغتها على أن التشابه واقع بين اثنين فأكثر، وها هنا التشابه هو بين المعاني التي تفيدها الآيات المتشابهة، فأهل الزيغ يتبعون أحد معاني الآية المتشابهة ويتركون المعنى الآخر الصحيح.
  والذي يؤكد ما ذكرنا، أن الزيغ إنما يحصل باتباع المعاني التي يفسرون بها المتشابه، وكذلك ذكر الله تعالى في آخر الآية: {... ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[آل عمران: ٧]؛ والتأويل هو التفسير.
  ٢ - لو قلنا: إن المتشابه لا يعلم منه إلا المعنى الذي يتبعه أهل الزيغ دون المعنى الصحيح لكان في ذلك نسبة القبيح إلى الله تعالى، وذلك أن المتشابه حينئذ يكون تغريراً وتلبيساً وإغراءً، وذلك قبيح لا يجوز نسبته إلى الله تعالى.
  ٣ - لو كان الأمر كما ذكروا لما صح العمل بما في آيات القرآن جميعاً، وذلك لقيام الاحتمال في كل آية أنها من المتشابه، فإن السامع للأمر يقول: لعل هذا المعنى المفهوم من الآية من المفاهيم التي يتبعها أهل الزيغ؛ وإنما قلنا ذلك لأنه لا يوجد في القرآن ما يدل على تمييز المتشابه من المحكم.
  ٤ - عدد الزبانية وعدد حملة العرش وما أشبه ذلك، كل ذلك لم يكن سبباً لإيقاع المسلمين في الفتنة، وليس الاختلاف في تفسير ذلك وتأويله مما يوقع في الضلال والفتنة والزيغ، وافتتان المشركين بعدد الزبانية التسعة عشر إنما كان من أجل السخرية والاستهزاء لا من أجل الاتباع.