قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

شبهة وجوابها

صفحة 272 - الجزء 1

  وليس هناك دليل يبين أن قول أحد من أولئك حجة يلزم العمل بها، وإنما أصطلح أهل السنة والجماعة على اعتبار أقوال أولئك الأئمة دليلاً وحجة يجب اتباعها، وليس اصطلاحهم على ذلك مما يعتبر حجة ودليلاً في الإسلام.

  فالأدلة الشرعية هي كما عرفت: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، واصطلاح أهل السنة ليس واحداً من تلك الأدلة، فلا يجوز الاعتماد عليه ولا الالتفات إليه، بل الواجب إنكاره؛ لأنه من المنكرات المبتدعة التي لم يأذن بها الله تعالى.

شبهة وجوابها

  فإن قيل: قد أذن الله تعالى في الاعتماد على قول المؤمن العدل، وقبوله في شرائع الإسلام، كما ذلك موضح في كتب الأصول.

  قلنا: الأمر هو كذلك، غير أن أهل السنة والجماعة غلوا في هذا الباب وأفرطوا فيه، فحكموا على ما في الصحيحين، وما صححه الأئمة بالصحة، وأوجبوا على كل مسلم العمل بذلك.

  وجعلوا تصحيح أولئك الأئمة بمنزلة الدليل الذي لا يجوز فيه نقاش، ولا يقبل فيه اعتراض أو قدح، لا في المتن ولا في الإسناد.

  ولهم كلام في هذا الباب مذكور في مقدمة فتح الباري، وفي كتب مصطلح الحديث، والذي دعاهم إلى ذلك هو المحافظة على المذهب وحياطته، ولولا ذلك لتفسخ وتفتت وذهبت به الرياح؛ لأنه مذهب باطل، مبتدع، خارج عن دين الإسلام، لذلك احتاجوا إلى تحصينه بحصون قوية، فبنوا في وجه فطر العقول، وحالوا بينها وبين خرافاتهم وبدعهم بأن قالوا: إنه لا عبرة بحكم العقول، ولا يجوز الاعتماد عليه في تمييز الحق من الباطل، وتمييز الحسن من القبيح، وتمييز الهدى من الضلال، وتمييز العدل من الظلم ... إلخ.

  فأهملوا حكم العقل تماماً، وجعلوا إهماله وطرحه من قواعد المذهب وأسسه، وحرموا النقاش حول رجال الصحيحين، وقالوا: إن رجال الصحيحين قد تجاوزوا القنطرة، فلا يسمع فيهم كلام، ولا يقبل فيهم قدح،