نظرات في ملامح المذهب الزيدي وخصائصه،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الرؤية

صفحة 55 - الجزء 1

  الفطرية التي فطر الله العقول عليها، وقد قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}⁣[الأنعام: ١٠٤]، وقال تعالى: {لَنْ تَرَانِي}، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

  فما ورد مخالفاً في الظاهر لهذه الأدلة القرآنية والعقلية، فيجب تفسيره بما يوافقها، فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه كما قدمنا.

  ومما يؤيد أن المراد بقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، عموم أوقات الدنيا والآخرة، أنها وردت في ضمن مدائح سردها الله سبحانه وتعالى قبلها وبعدها، ولا يتمدح الله سبحانه وتعالى إلا بما يختص به جلاله وعظمته، ويخالف به مخلوقاته.

  فلو أنه سبحانه وتعالى سيراه المؤمنون يوم القيامة، لما صح ذلك التمدح، ولم يكن مختصاً بتلك الصفة، بل قد يشاركه كثير من المخلوقات المحدثات المدفونة تحت أطباق الثرى، والمحجوبة في غيابات الفضاء، قال تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}⁣[النحل: ٨]، وقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}⁣[يس: ٣٦].

  إذاً فلا يتم التمدح إلا إذا كان المعنى على أنه تعالى مفارق لجميع المخلوقات مفارقة ذاتية لا تمكن معها الرؤية، ولا يجوز الإدراك.

  فلو قلنا مثلاً: إنه سبحانه وتعالى لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة، وقلنا تعقيباً على ذلك: ولكنه يجوز أن يرى، ويمكن أن تدركه الأبصار، فإنه أيضاً لا يصح التمدح وسرد ذلك بين صفات الإلهية والجلال.