(14) الهجرة إلى الحبشة
(١٤) الهجرة إلى الحبشة
  لما رأى النبي ÷ ما يصيب أصحابه المسلمين المستضعفين من البلاء والعذاب من قريش وأنه لا يستطيع دفعه عنهم ولا نصرتهم قال لهم ÷: «لو خرجتم إلى الحبشة، إن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل لكم فرجًا مما أنتم فيه».
  فهاجر الكثير من المستضعفين إلى الحبشة وجعل رسول الله ÷ أميرهم جعفر بن أبي طالب(١)، ونزلوا في جوار ملكها العادل، واسمه النجاشي.
  فلما عرفت قريش بذلك أرسلت جماعة فيهم عمرو بن العاص ومعهم هدايا لملك الحبشة، ومهمتهم أن يغروا ملك الحبشة بالمسلمين النازلين في أرضه، وكان ملك الحبشة نصرانيًّا، فمما قال عمرو بن العاص: إن هؤلاء يقولون في عيسى قولًا عظيمًا، يقولون: إنه عبد وإنه ابن مريم وليس ابن الله. فدعا الملك المسلمين وأميرهم جعفر بن أبي طالب #، وكان بطارقة الملك حاضرين، فقال عمرو بن العاص: سلهم عن عيسى، فأجاب جعفر فقال كما جاء في القرآن: إنه عبد الله {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ}[النساء ١٧١].
  فقال الملك: والله ما زاد عيسى على ما ذكرت شيئًا، فأذل الله عمرو بن العاص وخرج خائبًا خاسرًا، ورجع إلى مكة مع بعض جماعته وبعضهم ضاع في الحبشة.
  وزادت عناية الملك بالمسلمين الذين عنده، وأسلم الملك وأسلم جماعة من
(١) رواه أبو العباس الحسني # في المصابيح عن الإمام زيد بن علي @. وجعفر الذي أبوه شيخ قريش والحامي للنبي ÷ لم يكن من المستضعفين، ولكن في بعثه مع المهاجرين وهو ابن عم النبي ÷ فوائد عظيمة منها أثر ذلك في نفوس المهاجرين وغيرهم، والدعوة إلى الإسلام في الحبشة، ويظهر بذلك جانب من جوانب رحمة النبي ÷ بالمستضعفين المؤمنين وغيرهم.