(كلام الشوكاني والجواب عليه)
  عَنْ سَعِيْدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ÷ أَتَى عُمَرَ، فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ÷ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيْهِ يَنْهَى عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ؛ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيْثِ مَقَالٌ، وَالإِجْمَاُع مُنْعَقِدٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَحَدِيْثُ النَّهْيِ - إِنْ صَحَّ - يُحْمَلُ عَلَى وَجْهِ الاِخْتِيَارِ وَالاِسْتِحْبَابِ؛ إِذ الْحَجُّ أَعْظَمُ الأَمْرَيْنِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، وَقَدْ قَدَّمَهُ اللهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٦]؛ وَلِأَنَّ وَقْتَهُ مَحْصُورٌ، وَالْعُمْرَةُ وَقْتُهَا العُمُرُ كُلُّهُ».
  إِلَى قَوْلِهِ: «وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ: مَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَشُكُّ أَنَّ عُمْرَةً فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
  وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَقَالَ: هِيَ فَي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَحَبُّ إِلَيَّ؛ أَخْرَجَهُمَا سَعِيْدُ بْنُ مَنْصُورٍ»، انْتَهَى.
  وَلَكِنَّ الْحَقَّ للهِ تَعَالَى أَنَّ القَوْلَ بِكَرَاهَتِهَا فِيْهَا غَيْرُ قَوِيٍّ، وَطَرِيْقَةُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ أَنْ يَنْظُروا فِي الأَدِلَّةِ، وَيُرَجِّحُوا مَا تَرَجَّحَ، وَيَطَّرِحُوا مَا لَمْ يَصِحَّ، مِنْ دُونِ تَشْنِيعٍ وَلَا تَبْدِيعٍ، وَلَا سُوءِ ظَنٍّ بِأَئِمَّةِ الدِّيْنِ المُجْتَهِدِينَ، وَكُلُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيْهِ يَنْضَحُ.
  هَذَا، وَكَفَى بِالآيَةِ الْكَرِيْمَةِ فِي شَأْنِ الْعُمْرَةِ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٦].