[الدليل الثاني: السنة]
  وأما إذا كان قطعيًّا - بأن تكون مقدماته وهي: الأصل(١) والفرع والعلة والحكم ثابتة بدليلٍ قطعيٍّ(٢) - فإنه يُقدَّم حينئذ على خبر الواحد، وذلك واضح. وإنما اختير تقديم الخبر حيث هما ظنيان لوجهين(٣):
  الأول: أن الخبر أقوى من القياس؛ لأن الخبر إنما يُجتهد فيه في أمرين فقط: في العدالة، وكيفيه الدلالة(٤).
  والقياس يُجتهد فيه في ستة أمور: في حكم الأصل، وتعليله، ووصف التعليل(٥)، ووجوده في الفرع، ونفي المعارض فيهما(٦)، وفي المذكورَينِ(٧) أولًا حيث حكم الأصل ثابت بخبر.
  وإذا كان كذلك كان تطرُّقُ الخلل إلى الخبر أقلَّ من تطرقه إلى القياس(٨)، فيقدم.
  الثاني: أن الصحابة ¤ كانت تترك القياس وترجع إلى الخبر(٩)، كما روي عن عمر: أنه ترك القياس وعمل بالخبر في مسألة الجنين، حين رُوِي له: أنه ÷ قضى فيه بالغرة، وقال: لولا هذا لقضينا فيه برأينا(١٠). وكما روي عنه أيضًا: أنه
(١) الأنسب أن يقول: وهي حكم الأصل، وعلته، ووجودها في الفرع ثابتة ... الخ.
(٢) قال في هداية العقول: القطعي ما علم حكمُ أصله وعلتُهُ، ووجودُها في الفرع من دون معارض، كما في قياس العبد على الأمة في تنصيف الحد، وهو قليل نادر. والظني: ما فقد فيه أحد العلوم.
(٣) ولخبر معاذ؛ فإنه أخَّرَ القياس عن الخبر، وأقرَّهُ النبي ÷ على ذلك، فكان الخبر مقدماً. معيار وقسطاس.
(٤) أي: دلالة الخبر.
(٥) الصواب: وتعيين الوصف الذي به التعليل، كعبارة شرح الغاية.
(٦) في الأصل والفرع. غ.
(٧) وهما: العدالة، وكيفية الدلالة.
(٨) فلو قدم القياس على الخبر لقدم الأضعف، وهو باطل إجماعًا؛ وذلك لأن ما يجتهد فيه في مواضع أكثر فاحتمال الخطأ فيه أقوى، والظن الحاصل به أضعف. فإن قيل: احتمال القياس أقل؛ لأن الخبر يحتمل باعتبار العدالة كذب الراوي وكفره وفسقه وخطأه، وباعتبار الدلالة التجوز والإضمار والاشتراك والتخصيص، وباعتبار حكمه النسخ، والقياس لا يحتمل شيئا من ذلك؟ أجيب: بأن تلك الاحتمالات بعيدة، فلا تمنع الظهور، وأيضًا فإنه يأتي مثلها في القياس إذا كان أصله خبرًا آحاديًّا. طبري.
(٩) قال الدواري: المذكور في ذلك مسائل اجتهادية لا قياسية، إلا أن الحكم واحد، والخلاف واحد، فمن قدم الخبر على القياس قدمه على الاجتهاد، ومن قدم القياس على الخبر قدم الاجتهاد عليه.
(١٠) كان يحكم بالعدم قياسًا على الجماد، وليس قياسًا حقيقيًّا، بل فيه شائبة قياس.