الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الدليل الرابع: القياس]

صفحة 205 - الجزء 1

  وبيان كونه من طرق العلة: أن الوصف كما أنه قد يكون مناسبا فيُظن بذلك كونه علة، كذلك قد يكون شبيها، فيفيد ظنًّا ما بالعلية⁣(⁣١)، وذلك (كالكيل في تحريم التفاضل على رأي) أي: عند من جعله⁣(⁣٢) هو العلة في التحريم، فإن التعليل به لم يثبت بنص، ولا تنبيه نص، ولا إجماع، ولا حجة إجماع؛ وإنما ثبت بكون الحكم يثبت بثبوته وينتفي بانتفائه.

  (و) له مثال آخر: وهو أن يقال في قياس (تطهير النجس(⁣٣)) على الحدث في تعيين الماء لإزالته (يتعين له) أي: تطهير النجس (الماء كطهارة الحدث) حيث تعين له الماء، (بجامع كون كل منهما) أي: من تطهير النجس وتطهير الحدث (طهارة تراد للصلاة فيتعين لها) أي: لطهارة النجس (الماء كطهارة الحدث).

  فالجامع بينهما وصف شبهي، وهو كون كل منهما طهارة تراد للصلاة؛ لأنه يوهم المناسبة بينهما، من حيث إنه قد اجتمع في تطهير النجس شيئان: كونها طهارة للصلاة، وكونها عن نجس. والشارع قد اعتبر الأول؛ حيث رتب عليه


(١) وقد ينازع في إفادته الظن فيحتاج إلى إثباته بشيء من مسالك العلية، إلا أنه لا يثبت بمجرد المناسبة، وإلا لخرج عن كونه شبَهِيًّا إلى كونه مناسبا مع ما بينهما من التقابل. سعد.

(٢) وهم أئمتنا $، فإنهم يجعلون العلة في تحريم التفاضل اتفاق الجنس والتقدير، وعند الشافعي: الجنس والطعم، وعند مالك: الجنس والاقتيات، فإن التعليل بهذه العلل كلها لم يثبت بنص ولا إجماع، وإنما ثبت بكونه دار الحكم معها وجودا وعدما، قالوا: والعلة شبَهِيَّة، قال في حواشي الفصول: فإن قيل: قد نص علماء الفقه من أئمتكم وغيرهم على أن علة التحريم مُنَبهٌ عليها، وكل على أصله، وهذا يقتضي أن علة الربا مؤثرة لا شبهية، فكيف مثلوا بها واختاروها في الشبهية؟ قلت: إنما أرادوا أنها شبهية بالنظر إلى مادتها لا بالنظر إلى الأمر الخارجي. حا.

(٣) عند محاولة إلحاقه بطهارة الحدث.

(*) فصلٌ: والشبهية وصف يوهم المناسبة ليس بمؤثر ولا مناسب عقلي، كالكيل والطهارة، قال في شرح الغاية: ومثال الشبه: أن يقال في إزالة الخبث: طهارة تراد للقربة فيتعين الماء لها كطهارة الحدث، فإن المناسبة بين كونها طهارة تراد للقربة وبين تعيين الماء غير ظاهرة؛ ولكن إذا تعين وصف من بين أوصاف المنصوص لالتفات الشارع إليه دون غيره يتوهم أنه مناسب، وقد اجتمع في إزالة الخبث كونها قلعًا له وطهارةٌ تراد للقربة، والشارع اعتبر الثاني في تعيين الماء، كما في الصلاة والطواف ومس المصحف اعتبارا في الجملة، أي: إذا كانت الطهارة للحدث، ولم يعتبر الأول في شيء من الصور، فكان الحكم بإلغاء غير المعتبر أنسب من الحكم بإلغاء المعتبر.