الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الأمر]

صفحة 295 - الجزء 1

  والعلاقة بين التهديد والإيجاب هي المضادة⁣(⁣١)؛ لأن الشيء المهدد عليه إما حرام أو مكروه، بخلاف الواجب؛ فيكون مجازا مرسلا.

  قوله: «وغيرها» أي: غير هذه الثلاثة، وذلك:

  كالتسوية، نحو قوله تعالى: {اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ}⁣[الطور ١٦]، أي: الصبر وعدمه سواء. والفرق بين التسوية والإباحة: أن المخاطب في الإباحة كأنه تَوَهَّمَ كونَ الفعل محظورا عليه، فأُذِنَ له فيه مع عدم الحرج في تركه، وفي التسوية كأنه توهم أن أحد الطرفين من الفعل أو الترك أرجح له، فَرُفِعَ هذا الوهم بالتسوية بينهما⁣(⁣٢). وعلاقة التسوية هي المضادة - أيضا -؛ لأن التسوية بين الفعل والترك مضادة⁣(⁣٣) لوجوب الفعل.

  والدعاء، كقول القائل: «اللهم اغفر لي»، وهو طلب الفعل على سبيل التضرع. والعلاقة فيه هي الطلب.

  والتعجيز، كقوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}⁣[البقرة ٢٣]، فليس المراد طلب إتيانهم بسورة من مثله؛ لكونه محالا⁣(⁣٤). والعلاقة بينه وبين الإيجاب، هي المضادة؛ لأن التعجيز إنما هو في الممتنعات، والإيجاب في الممكنات.

  والتسخير⁣(⁣٥)، كقوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}⁣[البقرة ٦٥]، فليس المراد أن يطلب منهم ذلك؛ لعدم قدرتهم عليه، لكن في التسخير يحصل الفعل - أعني


(١) قوله هي المضادة: والعلاقة إنما هي تنزيله منزلة المباح الذي هو جزء الوجوب للتهكم، وأما قول الشارح: إنها المضادة فيلزم منه أن تكون استعارة تهكمية، مثل {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٣٤}⁣[التوبة]. إفادة سيدي محمد بن إبراهيم المفضل. قوله: «الذي هو جزء الوجوب» وهو المعبر عنه بالمباح بالمعنى الأعم كما حققه في الدرر اللوامع في مسألة جائز الترك ليس بواجب، فخذه من هناك.

(٢) فإنه أراد التسوية في عدم النفع بين الصبر وعدمه.

(٣) فهو مجاز مرسل، ويكون من باب تسمية الشيء باسم ضده.

(٤) والفرق بينه وبين التكوين أن في التكوين سرعة الوجود من العدم، وليس فيه انتقال من حالة إلى حالة ممتهنة. والتسخير في اللغة: الذلة والامتهان، قال سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا}⁣[الزخرف ١٣]، أي: ذلّله. جلال.

(٥) إذ لا يقدرون على الإتيان بمثله، وإذا كان كذلك فالمراد بالأمر في «فأتوا» وإنما هو لتعجيزهم عن الإتيان بمثله. ح غ.