[ألفاظ العموم]
  قلنا: نعم، ولكن نفي الحقيقة إنما يتحقق بالنسبة إلى كل مأكول؛ ولذا يحنث بأيِّ(١) أكلٍ اتفاقًا، وهذا معنى العموم؛ فوجب قبوله التخصيصَ كسائر العمومات، والله أعلم.
  واعلم أن منشأ الخلاف أن يكون فعلا متعديا، لم يُقَيَّد بشيء(٢)، واقعا بعد النفي أو الشرط، كما صُوِّر في الكتاب.
  (و) المختار أيضا(٣) (أنه يحرم العمل بالعام قبل البحث(٤) عن مخصصه)؛ لأن المخصِّص في الشرع كثير، فيضعف ظن بقاء العموم على ظاهره، فقد قيل: ما من عموم إلا وقد دخله التخصيص، إلا قوله تعالى: {وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(٥)}[البقرة ٢٨٢]، وإذا كان كذلك لم يحصل ظنٌّ ببقاء العموم على ظاهره إلا
(١) في نسخة بأي أكلة، وهكذا عبارة القسطاس وغيره.
(٢) بل قال: «لا أكلت» وأطلق.
(٣) مذهب أئمتنا والجمهور. فإن قلت الأصل عدم المخصص، فهلّا جاز العمل استناداً إلى ذلك الأصل. قلت: كثر مجيء المخصص ونحوه في كلام الشارع واطراده صيّر الأصل وجود المخصص في كلام الشارع دون كلام غيره، ومن ثّمّ لم يوجبوا على المقلد بعد وجود النص من أمامه، والعموم منه أن يطلب الناسخ والمخصص من كلامه، وأوجبوه على المجتهد، ولو سلّم فالاستناد إنما يصح إلى أصل يفيد الظن، وهذا الأصل لا يفيد الظن مع ضعفه واطراد الكتاب العزيز والسنة النبوية على خلافه. سيدي هاشم.
(٤) في غير حياة النبي ÷ وأما في حياته ÷ فاتفاق أنه يتمسك به كما قاله الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني؛ لانتفاء احتمال المخصص في حياته ÷ لأن التمسك بالعام إذ ذاك بحسب الواقع فيما ورد لأجله من الوقائع، وهو قطعي الدخول. محلي.
(*) وكذلك حكم كل دليل مع معارضة. معيار. كالناسخ مع المنسوخ، والعلة المعارضة في القياس بعلة أخرى وتعارض الإجماع، فإنه يجب البحث بعد معرفة الدليل هل له ناسخ أم لا؟ وكذلك القرينة الموضحة في المشترك، فلا يحمل على جميع معانيه الغير المتنافية على القاعدة المعتمدة حتى يبحث عنها فيظن فقدها، وكذا القرينة الصارفة في المجاز عند العمل بالحقيقة. ويكفي في ذلك الظن بفقد ما ذكر. وإذا ثبت القياس وجب البحث هل لعلته معارض أم لا؟ والإجماع هل هو مسبوق بغيره أو ثَمّ إجماع يعارضه؟ ويكفي غلبة الظن بعدم المعارض عندنا. من شرح السيد داود.
(٥) وفي كلامه نظر؛ فإن كثيراً من العمومات لا مخصص لها، كقوله تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}[الكهف]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٤٤}[يونس]، {لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ١٨}[الحاقة]، وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران ١٨٥]، {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة ٢٢١]، وفي السنة كثير، وفي كلام العرب، كقوله:
وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفرّ منها الأنامل
ونحو ذلك كثير؛ فظهر بهذا ضعف قول من ادعى أن كل عموم قد خصص. للسيد على المعيار.