الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[المخصص قسمان: متصل ومنفصل]

صفحة 343 - الجزء 1

  بالعقل كما تقدم. ومثل: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}⁣[النمل ٢٣]، وهو كذلك؛ لأنها لم تؤت من كثير الأشياء، أو أكثرها⁣(⁣١).

  والجواب عما قالوا المنع من ذلك؛ لأن الحكم إنما ثبت بعد التخصيص، كما تقدم في الاستثناء من أن الإسناد إنما يكون بعد الإخراج.

  وأما الثاني فلأن صدق النفي إنما هو بقيد العموم، لا مطلقا، فمعنى قولك: «لم تؤت من كل شيء» أي: على جهة العموم، وقولك: «أوتيت من كل شيء» أي: على جهة التخصيص، فلم يتوارد النفي والإثبات على محل واحد، فلا تناقض.

  ومنهم من منع من تخصيص الأمر والنهي أيضا؛ قالوا: لأنه بداء.

  والجواب: أنه إنما يلزم البداء لو أُِريد العموم من أول الأمر، وأما إذا لم يُرد فلا، فالمخصص قرينة على أنه لم يرد العموم، فتأمل! والله أعلم.

  (و) اعلم أنه (لا يصح تعارض عمومين في) حكم (قطعي(⁣٢)) عند جميع العقلاء، وذلك كمسائل أصول الدين التي يستدل عليها بالسمع، كالوعد والوعيد، ومسألة الشفاعة، ونحو ذلك من القطعيات؛ لأنهما لو تعارضا لزم حَقِّية مقتضاهما، فيلزم وقوع المتنافيين، وهو محال. ولا يمكن الرجوع إلى الترجيح؛ لأنه فرع التفاوت في احتمال النقيضين، وذلك لا يُتصور في القطعي.

  (ويصح) التعارض (في العام والخاص(⁣٣))، (والمعمول به) حينئذ -


(١) وعبارة القسطاس: لأنها لم تؤت مما في السماوات ولا من المعدومات، وما تأخر عنها أو تقدم، ومن أكثر الأشياء في وقتها.

(٢) والمراد أن كلاً من ذينك العمومين المتناولين لذلك الحكم القطعي قطعيٌ، متناً ودلالة، لا متناً فقط، وأما في الاجتهادي فيصح ويرجع إلى الترجيح، فيعمل بالحاصل فيه أحد وجوهه الآتية؛ فإن تعذر الجمع والترجيح فالمختار الطرح لهما ويرجع إلى غيرهما من الأدلة وسيأتي إن شاء الله تعالى. ح. حا. قوله وأما في الاجتهاد ... إلخ، كقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} مع قوله تعالى: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، فالأولى عامة من حيث لم تفصل في تحريم الجمع بينهما في الاستمتاع بين الحرائر والإماء، وإن كانت خاصة من حيث تناولها للأختين فقط، والثانية عامة من حيث تناولها الأختين وغيرهما، خاصة من حيث لم تشمل الحرائر. قسطاس.

(٣) وأما إذا كان كل من المتعارضين أعم من وجه وأخص من وجه فليس تخصيص عموم أحدهما لعموم الآخر بأولى من العكس، فيطلب الترجيح بينهما، كأن يتضمن أحدهما حكماً شرعياً دون =