الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[المبين]

صفحة 357 - الجزء 1

  كما وقع منهم حين سمعوا مناديه ÷ قد حرم الخمر - لم يَشُكُّوا أن المراد تحريم شربها؛ ولذا عَمِدَ كلٌّ منهم إلى ما عنده منها فأهراقه، وكذا فهموا من قوله ÷: «الذهب والحرير هما حرامان على ذكور أمتي» أن المراد تحريم لبسهما، لا ملكهما والنظر إليهما.

  (و) منها: أنه (لا) إجمال (فِي) نحو (العَامِّ الْمُخَصَّصِ(⁣١))، والمراد بنحو العام المخصص: المطلق إذا قُيِّد.

  واعلم أن التخصيص لا يخلو: إما أن يكون بمبهم، أو بمبين.

  إن كان بمبهم فلا يحتج به على شيء من الأفراد اتفاقا⁣(⁣٢)؛ لوضوح إجماله. مثاله قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}⁣[المائدة ١].

  وإن خُصَّ بمعين - كما لو قيل: اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة - فالمختار أنه لا إجمال فيه، فيصح الاحتجاج به على ما بقي؛ بدليل أنه كان قبل التخصيص حجة في الجميع، فتبقى حجيته حتى يظهر المعارض، ولم يظهر إلا في القدر المخصوص، فيبقى حجة في الباقي.

  وأيضا فإن الصحابة كانوا يستدلون بالعمومات مع وجود مخصصاتها، وشاع ذلك عنهم وذاع، وتكرر فيما بينهم ولم ينكر، فكان إجماعا⁣(⁣٣)، وذلك واضح الدلالة على عدم الإجمال.


(١) هذا هو المذهب، وهو قول أكثر الفقهاء، ذكره في المعيار.

(٢) لأن كل فرد يجوز فيه أن يكون مخرجاً وأن لا يكون، كذا قيل وفي حكاية الاتفاق نظر؛ فإن ابن برهان في الوجيز حكى الخلاف في هذه الحالة، وصحح العمل به مع الإبهام، قال: لأنا إذا نظرنا إلى فرد شككنا فيه هل هو من المخرج أو لا؟ والأصل عدمه، فبقي على الأصل، ويعمل به إلى أن يعلم بالقرينة أن الدليل المخصص معارض للعام، وإنما يكون معارضاً عند العلم به. انتهى. ونقل ابن الساعاتي العمل به عن بعض الحنفية، وكذا صاحب اللباب، وأبو زيد وغيرهم، وحكاه أبو الحسين القطان عن بعض الشافعية. والقول به في غاية البعد؛ لأن إخراج المجهول من المعلوم يصير المعلوم مجهولاً. شرح غاية.

(٣) أبو ثور، وعيسى ابن أبان: لا يصح الاستدلال به على ما بقي مطلقاً؛ إذ قد صار مجملاً. الكرخي وابن شجاع: إن خص بمنفصل فمجمل، وإن خص بمتصل فلا إجمال، بناءً على أن التخصيص بالمنفصل مجاز لا المتصل. وقد تقدم الكلام في ذلك. لنا: أنه كان قبل التخصيص ... إلخ. معيار، وقسطاس.

(*) على أنه لا يكاد يوجد في أدلة الأحكام عموم غير مخصوص فإبطال حجية العام المخصوص إبطال لحجية كل عام. شرح غاية.